يقول ابن الرومي: ولي وَطَنٌ آليتُ ألا أبيعَهُ وألا أرَى غيري له الدَّهرَ مالِكا لن يكون الحديث عن أعداء الوطن من الخارج فمكرهم لا يزال وشرهم في ازدياد، غير أن الأعداء من داخل البلد أولئك الذين يضمرون الشر الدفين لوطنهم وأهلهم ويحاولون بمكرهم العداء.. إنهم أولئك الذين يندسون بيننا قد ضعفت نفوسهم واستولى عليها حقدهم . إنهم أولئك الذين أُشربوا في قلوبهم البغض لهذا البلد العظيم وأهله ومقدراته، قد باعوا عقولهم لغيرهم فعموا وصموا عن الحق، وهم يرون الصواب في فعلهم وهم والله مخطئون. أعداءُ الوطن لا يريدون له الازدهار ولا النماء ولا يريدون له تقديم النفع والمصالح لأبنائه. أعداءُ الوطن همهم مصالح ذاتية حتى وإن باعوا في ذلك ضمائرهم وخسروا أنفسهم. عدو الوطن ذلك الموظف الخائن الذي باع أمانته وما اؤتمن عليه فأصبح متكاسلاً عن عمله لا يؤديه كما أُمر به قد أضاع حقوق الله وحقوق الناس بسبب إفراطه وإهماله. عدو الوطن ذلك المسؤول في منصبه والذي يقضي أوقاته في غير مصالح العباد قد بغى بأفعاله في أرضه الفساد. عدو الوطن ذلك الذي لا يقيم العدل في تعاملاته وفي حكمه بين الناس ولا يكفل لهم حقوقهم مسلمين أو غيرهم. أعداءُ الوطن هُم من تَفقِد ضمائرهم نزاهة الصدق والحق، وتُنزَعُ منهم الأخلاق والصبر. أعداءُ الوطن هم الذين يتولون مسؤوليات عِظاما لبلدهم ثم لا يقومون بتصريفها وأدائها كما طُلِبَ منهم، كان ديدنهم النصب والاحتيال. أعداءُ الوطن هم الذين يبعثرون أمواله كيفما شاؤوا وفيما أرادوا غير مُبالين بحسيبٍ أو رقيب لم يستشعروا عِظم تلك الأمانة يوما. عدو الوطن ذلك التاجر الجشع الذي يزيد في سلعته مستغلاً أحوال الناس الذين لا حول لهم ولا قوة، لو اقتنع لفاز بوعد الشرف الأغلى والأسمى. عدو الوطن ذلك الطبيب الذي يرى أرواح الناس رخيصة بين يديه فلا يقيم لها تقديراً أو احتراما، اتخذ من مهنته وسائل بغيضة تنافي الأخلاق والدين. عدو الوطن ذلك المُفكر الذي أُصيب في فكره بتوجهاتٍ مُضلة اضطربت عقيدته يُملي للناس غير الحق قد عاش في صراعٍ فكري مميت أرداه قتيلاً وهو حيا. عدو الوطن صاحب الفكر المنحرف قد أفرط في تدينه فعدل عن سواء السبيل لا يُقر بالحق، ويرى الباطل حقا أصابته الحيرة والقلق، ظنه سيئ بمن حوله. عدو الوطن إعلامٌ خادع قد خلط في عرضه للحقائق بين الحَسَن والقبيح فأصبح الناس في حيرة أين الصواب؟. عدو الوطن ذلك الجاهل بالدين قد أضاع نفسه وباع آخرته وغفل عنها عندما يستهزئُ بشعائره أو يتطاول على أسسه مُسبباً لوطنه نوعاً من الزعزعة قد ضل وأضل. عدو الوطن ذلك الأب الغافل عن تربية أبنائه وصقلهم وتعليمهم حتى يكونوا ثمرة منتجة في وطنهم. عدو الوطن من ينتزع حقوق غيره بالباطل والإثم قد غلبته نفسه الخبيثة فلم يفرق بين الحلال والحرام غير مُبالٍ بوعيد الله له. عدو الوطن صاحب القلم المحرض على الفتنة وإشعالها لا يراعي أمانة الكلمة ولا كيف تقال، تناسى مهنته الشريفة حينما لا يقول الحقائق كما هي ولم يظهرها بفن قلمه. عدو الوطن ذلك المعلم والمربي الذي لا يهتم بما أوكل إليه من عقول لينيرها بالعلم النافع ويصقلها ويصونها من كل فكرٍ وزيغٍ منحرف. عدو الوطن ذلك المقيم الغريب الذي لا يهتم بمكسبه كيف أتى ولا بأي الطرق سيكسبه ففي وجوده خطر مستمر. عدو الوطن صاحب الهوى المُتبع اختلاف الناس مُراده، وتنافرهم مقصده ومبتغاه. عدو الوطن ذلك الخائن المؤتمن على حدود أراضيه قد باع عهده ومواثيقه بقليل من الدنيا زائل لم يحفظ العهود ولم يصن تلك العهود والمواثيق. أعداءُ الوطن هم من يُروجون الإشاعات الكاذبة من أجل التشهير وإظهار العيب في الآخرين هدفهم الأذى والتحقير لأقوالهم والطعن في أفعالهم مما يجعل الوطن مقوض الأركان ومُهَدَّم الأسس غير مستقرٍ على حال، وما ذاك إلا بسبب كذبهم وإشاعاتهم. أعداءُ الوطن لا يحملون الصدق ولا يجعلونه رائداً لهم في جميع ما يفعلون ويعملون "ولو صدقوا لأفلحوا".