كم يكون العقل آثماً، أو يغادر صاحبه المنطق، كل من يظن أن السلطة والإعلام في العراق وجهان لصورة واحدة، وكم يغرق في بحرٍ من الغباء والغفلة من يعتقد أن لعبة السياسة لا تختلف عن مقاصد السلطة الرابعة..نعم.. كم نكون واهمون عندما نعتقد ذلك. في محصلة هذا الجدل المتشابك الوجوه لا بد أن نعترف بواقع يترسخ في مخيلتنا، وهو أن هناك فرقا مترامي الأطراف بين عالم السلطة والإعلام، وأن من البديهيات التي يتغافل عنها الكثير أن الحديث من داخل السلطة يختلف عن أضواء الإعلام، لأن هذين المتوازيين لا يلتقيان بسبب سيرهما بخطٍ متوازٍ. فحديث الإعلام قد لا تسعفه أضواء السلطة، كذلك فإن رجل السلطة قد لا يستطيع التمرد على أسلوبه فلكلٍ منهما لعبته وقانونه اللذين يجب الالتزام بشروطهما، وكثيراً ما شهدنا دخول إعلاميين إلى عالم السياسة، وسرعان ما يسقطون سريعاً كما صعدوا في براثن فخ السلطة، ويتسارع بهم التهاوي إلى وادٍ قد يمحو تاريخهم وعناوينهم الإعلامية بمجرد خطأ سلطوي مقصود أو غير مقصود، وقد ينسى هؤلاء الإعلاميون الذين دخلوا من باب السياسة أن لهذه اللعبة قوانين وشروطا قد لا يُجيد الإعلامي إدارتها، فكانوا أقرب إلى الحماقة لأنهم لو كانوا عكس ذلك لأدركوا أن ذلك الفخ الذي اصطاد غيرهم سيجرهم إلى مخالبه، حيث كان لهم الأفضل لو ظلوا أصواتاً دون قيود تدافع عن معتقداتهم وحقوقهم في عالم الكلمة بدل السياسة. إذ ليس شرطاً أن ينجح الإعلامي في عالم السياسة كنجاحه في الإعلام، بالمحصلة يجب أن ندرك أن الإعلامي لا يصلح للسلطة لأن عقله وتفكيره مرهون بمقومات وأسس تختلف عن الذي يُدير لعبة السياسة بفنونها حسب ما تقتضيه قوانين اللعبة. المشكلة الأكبر لهؤلاء الذين يجدون رغبة في عالم السياسة ومن أغراهم بريق السلطة وزين لهم حب النفوذ والتسلط بديلاً عن حب الرأي العام قد لا يعرفون أن أوهام المجد لا تصنعه السلطة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وهو إذا ما فشل هذا (السياسي الإعلامي) صاحب السيرة الإعلامية في تجربته السلطوية وعاد إعلامياً من على شاشات الفضائيات مرة أخرى فهل سيتقبله الجمهور؟، وهل سيتكرر ذلك النجاح مرة أخرى؟ أم سيقابله ذلك الفشل الذي اصطدم به في عالم السلطة؟ سؤال ينتظر الإجابة.