يدرك كل متابعٍ للصراع في سوريا أن نظام بشار الأسد حاول منذ البداية تحويل النزاع إلى طائفي لكسب الأقليات في صفه وإفقاد الثورة تعاطف الداخل والخارج، وهو تكتيك قديم استخدمته أنظمة حكم عديدة في المنطقة قبل سقوطها. في المقابل، تحافظ الثورة السورية منذ انطلاقها على سمة التنوع، وتسعى إلى احتواء مختلف مكونات الشعب دون اعتبارٍ لطائفة أو لفكر سياسي، لكن هذا لا ينفي وجود عناصر منضوية تحت لواء قوى ثورية تتعامل مع الصراع بنظرةٍ طائفية بدعوى أن النظام هو من بدأ ذلك، وهو قول حقٍّ غير أنه لا يبرر لصاحبه السير في ذات الطريق الذي قد يمزق وحدة سوريا. في حلب كمثال، يعقد مقاتلو جبهة النصرة الإسلامية العزم على إقامة «دولةٍ إسلامية»، ويتحدثون عن «حكم المجاهدين» في مرحلة ما بعد سقوط النظام. يتوحد هؤلاء مع باقي فصائل الثورة في فعل القتال ضد الأسد، لكنهم يختلفون في النيات، فهم يريدونها «إسلامية خالصة»، فيما انتفض السوريون ضد الأسد من أجل «دولة وطنية يتساوى فيها المواطنون مع اختلاف دياناتهم وأفكارهم». هذا الاختلاف قد يفتح طريقين، إما تشتتٌ للجهود الثورية والعسكرية يمكِّن الأسد في النهاية من فرض سيطرته بالقوة، وإما وقوع قتالٍ بين فصائل الثورة بعد أن يسقط النظام، وفي الحقيقة تبدو نتائج الاحتمالين مرعبة، ستخسر الثورة كثيراً. ويمكن إرجاع توقف بعض الأطراف الدولية عن الدعم السياسي للثورة إلى ما وصلها من معلومات باتت أكيدة عن وجود مجموعات داخل سوريا تؤمن بالفكر الجهادي وتحوِّل معركة بين نظام مستبد وشعب أعزل إلى معركة من أجل قيام دولة تسير وفق رؤيتها للإسلام. غير أن ظهور هذه المجموعات لا يعني أن فرص الحل تلاشت، إذ يبقى أمل في تدخل عقلاء المعارضة السورية لفرض إرادة الثورة على الطائفيين وإجبارهم على الالتزام بقواعد لعبة تداول السلطة بعد فراغها، كما تبدو الحاجة ماسّة إلى تشكيل حكومة انتقالية تتسلم الحكم إذا زال الأسد وتعبر بسوريا مرحلة الفراغ وتتجاوز محاولات فرض الرؤى بالقوة.