مع اللاب توب الأولاد كل في زاوية منهمك، إما بلعبة أو سماع موسيقى من الآيفون، حتى الطفل شبه الرضيع ماسك موبايل يلعب فيه بما لا يعرف. أما الأب فبيده مسبحة والأم صنارة الصوف. لا أحد يتكلم مع أحد. الكل يفرقع ويهمهم وبين الحين والآخر يضحك لنفسه مثل المجنون. أتذكر من القامشلي (مهمهو) كان يرتج من مرض باركنسون يمشي ويهذي ويضحك لنفسه. هكذا هو منظر العائلة هذه الأيام مع التكنولوجيا. عائلة (مهمهو). لا كلام لا تبادل آراء الكل غارق مع اللاب توب والكمبيوتر؛ فإذا انفرجت ذهبوا إلى فيلم تسلية، حيث هوليوود تحتل الساحة في أفلام قتل.. وضرب. هل نقول عن التكنولوجيا الحديثة أنها مضرة؟ لقد اقترح المستشار الألماني شميدت فيما سبق أن تكف العائلة عن التلفزيون يوما واحدا في الأسبوع تصوم عنه، كي يلتئم شملها وتتحدث إلى بعضها البعض بعد هذا الانتثار الإلكتروني. اليوم العائلة منشطرة بعد أن بحث كل فرد عن عائلة جديدة. جيدة التكنولوجيا في الربط وإنجاز الأمور، وهي أسوأ من السيئ فيما قادت إليه من تفتيت العائلة، والذهاب بعصر الكهف العائلي النووي، حيث يتبادل الزوجان الحديث، ويشارك الأطفال، ويقترح الأحفاد، في جو روحي متجانس، يقومون للصلاة مشتركين، ويدعون حامدين، ويجلسون للطعام مشتركين، وينطلقون للرحلات سوية فرحين، أو يشتركون في نشاطات عائلية معا. لم يبق ثمة شيء من هذا، وتفتت العائلة شظايا مع دخول التكنولوجيا. حتى الحدائق تلوثت. ذهبت لحديقة فراعني بقايا المخلفات من الطعام مع وجود الحاويات؛ فتلوث بصري وأنفي منظرا ورائحة. اكتمل التلوث مع اندفاع الأطفال بالدبابات (موتورات) فعلا إنه أفظع من الدبابات بأصوات مزعجة مع رائحة ملوثة. إنها ضريبة الرفاهية والتكنولوجيا. جلست دقائق فلم أتحمل فلممت أغراضي وغرقت في الذكريات أبحث عن واحة خضراء ومكان آمن خال من الملوثات البصرية والشمية والسمعية. فقط في الذاكرة فحزنت على هذا التطور السلبي. ليس كل التكنولوجيا خير فنحن نخرب البيئة، ونفسد الجو، ونثقب غطاء الأوزون، ونلوث الأنهار، ونفسد البحار، ونتقاتل بأشد من وحوش البرية كما يفتك شبيحة الأسد بالعزل المتظاهرين في سوريا، ونكذب في السياسة، ونغدر في التعاملات، ولا يثق المريض بالطبيب، ويرتعب الطبيب من قدوم المريض أن يرفع شكوى. يبدو أن العلاقات والتكنولوجيا لها شروطها الحضارية؛ ولذا فقد عمدت كندا وألمانيا وسواها من الدول المنتجة للمعرفة والتكنولوجيا في تنظيم صارم جدا لكل هذا النتاج، ولكننا نغترف من بحر آسن، ونهر فاسد، ونغرق في الأوحال بدون أن ندرك. الحضارة كما يقول مالك بن نبي ليست شراء التكنولوجيا بل بناء شروطها النفسية وأهمها الإنسان.