قال لجدته: أتعلمين أين سنقضي العيد هذا العام؟ فردت غير مبالية: العيد العافية يا ولدي. انصرفت تفرش سجادتها.. غابت في مناجاة لذيذة يفتح الباب بهدوء يسفر عن الحفيد الثاني العائد من رحلة التسوق لاهثًا، وهو يدندن: (شخبط شخابيط لخبط لخابيط..) يمضغ (الإندي كاي). بخفة وسرعة يفتح خزانة الملابس. يغلقها بعد إلقاء نظرة سريعة على ما في داخل الدولاب. يتجه سريعًا نحو النافذة.. يفتحها ثم بسرعة يعاود إغلاقها، حتى قبل أن يستطيع رؤية أي شيء. يعود ليرتمي في أحضان أريكة جدته. يفتح جهازه الجوال.. بسرعة يتنقل بين الملفات والأسماء. يستعرض الصور بسرعة لافتة. يتنهد بعمق. يتوجه سريعًا نحو (اللاب توب) القابع في زاوية الغرفة. تنفرج أساريره. يدخل في نوبة من الصمت. تقطع هدوء المكان وصمته فواصل من الضحكات، والآهات، ولحظات العبوس، وتهليلات الجدة. نوبة حزن تجتاح المكان. يغلق جهازه. يعود مجددًا لجهازه الجوال. يفتح شاشته. يجري بحثًا بين قائمة الأسماء. يجري مكالمة مرئية مع (.............. ) هو: ألو. هي: نعم. وتنفث دخان سيجارتها في الهواء هو: يضحك بصوت مرتفع هي: لماذا تضحك؟ هو - باستغراب -: أضحك؟ يتساءل بخبث: من الذي يضحك؟ هي: أنت هو: أنا؟ فتحي عينيك وأذنيك تأكدي من الذي يضحك؟ هي: أنت الذي يضحك هو: والله أنا ما ضحكت لأني مركب جهاز ال(أنتي ضحك) يطلق ضحكة عاليه (هاهاهاهاهاهاهاهاها) تدس الجدة عصاها بين ساقيها الناحلتين. تضع يديها خلف رأسها تتحرك يمينا وشمالًا. تحاول بتلك الحركة تخفيف تدفق صوت (الدي جي) المزعج الذي يملأ المكان، ويكاد يخترق ما تبقى من طبقات طبلتها الرقيقة. يرقص على أنغام موسيقى (صاخبة). ينهكه التعب.. ويهدها كذلك. يجلس بجانبها. تحتضنه بحب.. تداعبه: (خلاص أنتهى نور عيوني). تداعب شعره بيد؛ فيما أصابع يدها الأخرى تحرّك حبّات المسبحة. ينام متوسّدًا ركبتيها. تشعر بثقل وزنه على جسدها المنهك. تحاول إبعاده عن جسدها. تفتح عينيها على الفتاة التي اعتادت أن تقدّم لها الطعام ودواء السكري في موعده. ترفض الطعام والدواء. تشعر بكراهية تلك الفتاة المسكينة. تصرخ في وجهها: ابتعدي عني. تحتار الفتاة في سبب هذا الرفض. لم تدرك أنها أيقظت عليها حقيقة وحدتها القاتلة التي فرضت عليها في دور العجزة منذ عدة أعوام!