يبحث نواب المجلس التأسيسي التونسي عن صيغة توافقية لحسم الخلاف حول فصل محوري في باب السلطة القضائية بالدستور الجديد أدى إلى تعطيل أعمال المجلس. واندلعت أزمة القضاء داخل المجلس التأسيسي منذ الإثنين الماضي عندما رفض نواب الكتلة الديمقراطية المعارضة في جلسة صاخبة في ذلك اليوم التصويت على تعديل الفصل 103 المثير للجدل والمرتبط بتسمية كبار القضاة. وينص الفصل في صيغته الأصلية على أن «يسمى القضاة بأمر رئاسي بناء على أمر مطابق من المجلس الأعلى للقضاء»، وهو مجلس منتخب. وجاء مقترح للتعديل من أحد نواب حركة النهضة الإسلامية ليتم النص بموجبه على تسمية الوظائف السامية بالقضاة بأوامر من رئاسة الحكومة وباقتراح من وزير العدل. وأدى التعديل إلى تعطيل أعمال المجلس، كما فجر احتجاجات لدى القضاة الذين أعلنوا إضراباً حضورياً لمدة أسبوع في المحاكم التونسية للمطالبة بتعزيز استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية واعتماد المعايير الدولية للقضاء في الدستور الجديد. وقال مقرر الدستور في المجلس التأسيسي الحبيب خذر، أمس، إن اجتماعات بين رؤساء الكتل النيابية توصلت إلى بلورة فكرة جامعة أفضت إلى بداية توافق حول صيغة نهائية للفصل. وقال خذر «آخر صيغة تنص على الإبقاء على الفصل الأصلي مع إضافة فقرة تفيد بتسمية القضاة بأمر رئاسي بالتشاور مع رئيس الحكومة وباقتراح من المجلس الأعلى للقضاء، ويضبط القانون الوظائف القضائية السامية». وأضاف خذر أن الصيغة الجديدة ستسمح بتوحيد رأي السلطة التنفيذية وتمنح المجلس الأعلى سلطة الاقتراح، وإذا ما تم قبوله فإن الفصل سيفتح الباب للتصديق على باقي فصول باب القضاء بسلاسة. ويخشى القضاة المضربون والأحزاب المعارضة من أن يؤدي التضييق على القضاء إلى الانبطاح مجدداً للسلطة الحاكمة التي يمكن أن تتحكم بحسب مقترح التعديل الأول في القطاع عبر تسييس التعيينات القضائية، وهو أمر يعيد إلى الأذهان سلوك النظام السابق في العزل وفرض النقل التعسفي للقضاة المستقلين. ويدفع نواب الحزب الحاكم بشكل خاص، بأنه وفي غياب أي رقابة على القضاء فإن الباب سيظل مفتوحاً لتغوُّل دولة القضاء، بينما لم يتم إصلاح القطاع بشكل كامل بعد الثورة. وينطلق هؤلاء من أن فلسفة الدستور تقوم ليس فقط على مبدأ التفريق بين السلطات، ولكن أيضاً على رقابة السلطات بعضها بعضاً.