اتفق المجلس التأسيسي في تونس أمس على أن يكون الدستور الجديد جاهزاً بحلول نهاية نيسان (ابريل) المقبل، واقترح إجراء الانتخابات في 15 كانون الأول (ديسمبر) على أقصى تقدير. ويستجيب هذا الإعلان في شكل واضح لمطالبات المعارضة وقسم من الرأي العام بضرورة تسريع وتيرة صوغ الدستور الذي كان يُفترض أن يتم انجازه خلال سنة من انتخاب المجلس التأسيسي في 23 تشرين الأول (اكتوبر) 2011، الأمر الذي لم يتمكن النواب من التزامه وسط خلافات بينهم على دور الشريعة والنظام السياسي الجديد في البلاد. وقال رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر (حزب «التكتل») إن الجدول الزمني الموضوع يقضي بأن يكون الدستور جاهزاً في نسخته النهائية في 27 نيسان (ابريل)، مضيفاً أن الانتخابات المقبلة ستكون بين 15 تشرين الأول (اكتوبر) و15 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وشهدت عملية صوغ الدستور تجاذبات كثيرة بين الأحزاب ومكوّنات المجلس التأسيسي تسببت في تعطيل عملية الصياغة وتجاوزها المدة المحددة سلفاً، وهي 23 تشرين الأول (اكتوبر) 2012. وقدّمت لجان صياغة الدستور مسودة له في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لكنها أثارت ردود فعل متباينة. إذ استنكرت قوى مدنية وحقوقية افتقار المسودة إلى نص يحدد مرجعية وكونية حقوق الإنسان في الدستور الجديد، لكن كتلة «النهضة» الإسلامية رأت أن مرجعية حقوق الإنسان يجب ألا تكون أعلى سلطة من التشريعات التونسية. وفسّر رئيس «الكتلة الديموقراطية» محمد الحامدي هذا التأخير في صوغ الدستور بعدم ضبط صلاحيات المجلس منذ البداية. واوضح، في تصريح إلى «الحياة»، أن المجلس تم تكليفه بوظائف تشريعية ورقابية جعلته يبطئ في عملية صياغة الدستور. وقال إن عملية صوغ الدستور لو تمت في شكل مستمر وبلا توقف لما تجاوزت ستة أشهر. في المقابل، اعتبر المقرر العام للدستور الحبيب خذر (من «النهضة») أن العملية «تستوجب تدقيقاً ونقاشاً مستفيضاً مع قوى المجتمع المدني والخبراء في القانون الدستوري». وشدد، في تصريح إلى «الحياة»، على أن المجلس التأسيسي «سيّد نفسه ويجب عدم تحديد مدته مسبقاً». ومن أبرز المحاور الخلافية التي شهدتها عملية صوغ الدستور النص على الشريعة كمصدر رئيسي للتشريع، اذ تمسّكت كتلة «النهضة» بهذا المبدأ فيما رفضه كل القوى السياسية بما في ذلك حلفاء الحركة الإسلامية في الحكم، أي حزبا «التكتل» العلماني و «المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي كان يرأسه رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي. وذلك قبل أن يتدخل رئيس «النهضة» راشد الغنوشي ويعلن التخلي حركته عن مطلبها النص على أن الشريعة هي مصدر التشريع. لكن الخلاف حول الشريعة لم يقف عند ذلك الحد، فقد طالب نواب من «النهضة» ومن كتلة «العريضة الشعبية» بضرورة إحداث مجلس دستوري للقضاء الشرعي بالإضافة إلى مجلس إسلامي أعلى، وهو الأمر الذي رفضته المعارضة بشدة معتبرة أن مثل هذه الهيئات لا تتماشى مع متطلبات الحكم العصري والقضاء الحديث. وتم حسم المسألة بالتصويت في المجلس التأسيسي لمصلحة عدم إحداث مجلس للقضاء الشرعي والاكتفاء بالقضاء المدني. من جهة أخرى تمثّل طبيعة النظام السياسي إحدى أهم النقاط الخلافية بين مكونات المجلس التأسيسي. فغالبية الأحزاب تدعو إلى اعتماد النظام الرئاسي بينما تتمسك «النهضة» بالنظام البرلماني. واضطرت الكتل النيابية إلى عقد اجتماعات مكثفة قبل التوصل إلى التوافق حول نظام سياسي مختلط يجمل بين خصائص النظامين البرلماني والرئاسي. ويفسّر المراقبون ذلك بأن «النهضة» لا تضمن فوزها في انتخابات رئاسية مباشرة، بينما لها القدرة على ضمان كتلة نيابية قوية في المجالس التشريعية. وفي المقابل، تتخوف المعارضة، وحليفا «النهضة» في الحكم (حزبا «التكتل» و «المؤتمر»)، من النظام البرلماني الذي يتيح للإسلاميين التحكم بالمجلس النيابية، ولذلك يفضلون النظام الرئاسي لأنه يمنح هذه الأحزاب فرصة التنافس على الحكم. ومن المرجح أن يتم طرح الدستور على الاستفتاء الشعبي في حال لم يحظ بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التأسيسي.