بدأ القضاة التونسيون أمس، إضراباً مفتوحاً، احتجاجاً على الفصول المتعلقة بالسلطة القضائية في مشروع الدستور الجديد، إذ اعتبروا أنها لا تضمن استقلال القضاء. فيما يشهد المجلس التأسيسي انقساماً حاداً بين كتل الغالبية والمعارضة حول «باب السلطة القضائية»، ما أدى إلى تعطل عملية المصادقة على الدستور في انتظار التوصل إلى توافق على آليات التعيين في الوظائف القضائية العليا. وتوقفت المحاكم في المحافظات عن العمل، في ظل تهديد القضاة بمواصلة تحركهم حتى يتم «التراجع عن الفصول التي لا تضمن استقلال القضاء». ويأتي إضراب القضاة على خلفية تصويت اعضاء المجلس الوطني التأسيسي على إضافة تعديل إلى الفصل 103 ينص على أن «التعيينات في الوظائف القضائية تتم بأمر من رئيس الحكومة وباقتراح من وزير العدل»، الأمر الذي رفضه القضاة وأحزاب المعارضة، في حين دافعت عنه كتلة حزب «النهضة» في المجلس. وأكدت رئيسة جمعية القضاة التونسيين روضة القرافي، أثناء تظاهرة شارك فيها مئات القضاة أمام المجلس التأسيسي أمس، تمسكها بمبادئ استقلالية القضاء وعدم خضوعه لسلطة الحكومة ووزير العدل لأن من شأن ذلك، أن يفسح في المجال أمام ترهيب القضاة والضغط عليهم لتنفيذ أجندات السلطة التنفيذية. وقال الناطق باسم «النهضة» (صاحبة الكتلة الأكبر في المجلس 89 من أصل 217 مقعداً) زياد العذاري إن حركته لا تعترض على مبدأ استقلالية القضاء كما تروج لذلك المعارضة، لكنها «تسعى إلى إيجاد صيغة تكون فيها السلطة القضائية متلائمة مع المعايير الدولية التي يكون فيها القضاة تحت رقابة السلط المنتخبة، ضماناً لعدم تحول هذه السلطة إلى دولة داخل الدولة». وأشار العذاري إلى أنه «في التجارب الديموقراطية العريقة يعين رئيس الجمهورية القضاة الكبار بموافقة اللجنة القضائية في المجلس النيابي أو بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء»، مستغرباً دعوة القضاة ونواب المعارضة إلى إبعاد السلطة القضائية عن كل رقابة. في المقابل، نفى رئيس الكتلة الديموقراطية المعارضة محمد الحامدي «دعم المعارضة لأي فصل أو اقتراح يجعل القضاة متحررين من أي رقابة»، معتبراً أن مراقبة عمل القضاء لا تعني إخضاعه لسلطة وزير العدل كما كان معمولاً به في النظام السابق. وعبّر عن خشيته من «تغلّب الحسابات الحزبية والانتخابية على عملية المصادقة على دستور، الذي يفترض أن يُكتب لأجيال قادمة». وجرت مساء أمس مشاورات مكثفة بين رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر وممثلي القضاة ووفد من الرباعي الراعي للحوار والكتل النيابية، للوصول إلى اتفاق حول الفصل 103، في ظل تمسك كل طرف بموقفه. من جهة أخرى، أعرب القيادي في الاتحاد العام التونسي للشغل أبو علي المباركي إثر لقائه بن جعفر أمس، عن أمله في أن يقدم رئيس الوزراء المكلف مهدي جمعة تشكيلته الحكومية نهاية الأسبوع، مشيراً إلى تقدم في اختيار الوزراء المرشحين لحكومة الكفاءات العتيدة. وتبقى هذه المسألة رهينة تقدم عملية المصادقة على الدستور، علماً أن النواب تمكنوا من المصادقة على 108 فصول من أصل 146 فصلاً، إلا أن الانقسام الذي يعيشه المجلس بخصوص باب السلطة القضائية قد يدفع جمعة إلى تأخير عرض تشكيلته الحكومية، ذلك أن تقديم الحكومة الجديدة مرتبط بالانتهاء من المصادقة على الدستور كما تم الاتفاق عليه في الحوار الوطني.