لا أنسى أبداً إعلاناً لمادة مطهرة في مجلة اليمامة. يتوسط الإعلان شابة تجلس مع طفلها على أرض رخامية ناصعة. تظهر الصورة الطفل والشابة سعيدين. كانت صورة الفتاة من النوع الذي يشكل الوجدان. كنت حينها في بداية حياتي وكنت أحلم بالزواج في الفترة التي بدأت الصحوة تضع بذورها الأولى.. يوم أمس الأول شاهدت في جريدتنا هذه إعلان مجوهرات يتوسطه صورة لفتاة شابة. يا لها من مسافة عاطفية بين الصورتين. كانت نظرتي للصورة الأولى نظرة رومانسية. أما في نظرتي للصورة الثانية فقد قفز إلى ذهني مصطلح (تسليع المرأة). يكاد هذا المصطلح أن يكون حقيقة متفقاً عليها. في كل مرة يشار فيها إلى الحضارة الغربية يتبادر إلى الذهن تسليع المرأة. تظهر المرأة في إعلانات المجوهرات والسيارات والسفر والتلفزيونات والأطعمة وإلى ما لا نهاية. العبارة اللاحقة لتلك هي (استغلال جسد المرأة). تسليع المرأة باستغلال جسدها. كلمة (استغلال) توحي بكل الدلالات القميئة. هل سلعت الحضارة الغربية المرأة بالفعل؟ إذا كان الأمر كذلك فالحضارة الغربية سلعت الرجل أيضاً ولكن بشكل أشد ضراوة. صور الرجال تنافس صور النساء في الإعلان مضافاً إلى ذلك كل أشكال الرياضة. وصل الأمر إلى المصارعة القاتلة من أجل إمتاع المتفرجين. لم نسمع من أصحاب نظرية تسليع المرأة أن تباكوا على الرجل. أصحاب نظرية تسليع المرأة هم من يحن للماضي ويتباكى ويقاتل من أجل عودته. بغداد العباسيين عاصمة الدنيا حينها كانت تحط فيها القوافل كل صباح بالمسروقات من فتيات الشرق والغرب. يختطفن من أحضان أمهاتهن عنوة ويصدرنا إلى العالم. كان الجنود العثمانيون يجوبون القرى في ما يسمى اليوم البوسنة وينتزعن الصغيرات من أيادي امهاتهن لتأمين حاجة قصور السلاطين من اللحم الأبيض. بلغ أن المجتمع النسائي في عالمنا القديم أن انقسم إلى قسمين: قسم الحرائر وقسم الجواري. من يفاخرون بكلمة الحرائر هم في الواقع يؤمنون بتسليع المرأة. في الحضارات السابقة كانت المرأة تقاد بالسلاسل أما أجرها فيذهب لسارقها ونخاسها. في الحقيقة ليس أجراً بل سعراً. السلعة لا تقرر عن نفسها ولا تأخذ أجراً. من يقرر عن نفسه ويأخذ أجراً ليس سلعة. المرأة في الغرب لا تقاد إلى الأستديو بالسلاسل ولا تختطف من أمها. تأخذ أجرها وتمضي. بالضبط كما يحدث للاعبي الكورة من أبنائنا اليوم. افتح عينك على الإعلانات ستجد لاعبي الكورة (من بني جلدتنا) والفنانين (من بني جلدتنا) والدعاة (من بني جلدتنا) يروجون للبضائع والخدمات. منع المرأة من الخروج في إعلاناتنا لا يعني حمايتها بل يأتي ضمن حرمانها من أبسط حقوقها. تزويج المرأة غصباً عنها هو التسليع. تزويج الطفلة (القاصر). أن يبيعك من خلقهم الله لحمايتك على مرأى ومسمع من القانون وبدعم كامل من أصحاب نظرية تسليع المرأة هو أبشع أنواع التسليع. أيها الضمير من ضيعك.