يُعد الصيدلي آخر نقطة يقف عندها المريض؛ لذا فالمعلومة التي يأخذها المريض من الصيدلي تكون هي الثابتة في ذهن المريض ويحملها معه إلى المنزل، فهو المحصلة النهائية لعمل الطبيب، فإذا كان الأطباء جيدين بينما الخطوة الأخيرة فيها خلل، حتماً ستختل معها النتيجة، ومن هنا تكمن أهمية وجود كفاءة صيدلانية تعطي المريض حقه وكفايته من المعلومات الدوائية، وطريقة استخدام العلاج، فعمله ليس مجرد كتابة خطوط على علبة الدواء. الصيادلة السعوديون -من الجنسين-، وعلى الرغم من تقديرهم لجهود «وزارة الصحة» في السنوات الأخيرة الهادفة إلى تطويرهم مهنياً وعلمياً، إلاّ أنهم يشكون كثيراً من الهموم التي تُحبطهم وتجعلهم لا يلحقون بركب التطور العلمي الذي ينعم به أقرانهم في الخارج، كما أن تطبيق السعودة الذي تسعى الدولة على تطبيقه في القطاعات يكاد يغفل عن وجود مئات من الصيادلة وفنيي الصيدلة عاطلين عن العمل، في وقت يعمل فيه آلاف الصيادلة الأجانب في وظائف في القطاعين الحكومي والخاص!.. تداخل مهام وأكد عدد من الصيادلة أن التجاوزات في كثير من المستشفيات لم تقتصر على تولي فني الصيدلة مهام «الصيدلي القانوني» فحسب، وإنما وصل الأمر أن يديروا صيدليات مستشفيات وتحت إدارتهم صيادلة قانونيون، وبعضهم أصبح يدير أقسام الدواء، على الرغم من أن الأنظمة واللوائح اشترطت لمن يعمل مدير صيدلية أن يحمل الدكتوراه في الصيدلة، أو الماجستير، أو أن يكون صيدلياً قانونياً كأقل معيار، إلاّ أن المحسوبيات والمجاملات لها حضورها في كثير من الحالات -على حد قولهم-. وأضافوا أن أنظمة «وزارة الصحة» وضعت معياراً للجودة؛ هدفه التقليل من نسبة الأخطاء، فحددت دور الفني الصيدلي بتحضير الدواء، فيما يتولى الصيدلي مراجعة وصرف الدواء بمعدل (100) وصفة في اليوم لكلٍ منهما، إلاّ أنهم يؤكدون أن الواقع عكس ذلك تماماً، حيث تصل الوصفات لكلٍ منهما إلى أكثر من (300) وصفة في اليوم؛ ما قد يرفع نسبة الخطأ جراء الضغط الشديد عليهما، مبينين أن معظم صيدليات المملكة تفتقد لتسجيل الأخطاء الطبية؛ من أجل معرفة مكامن الخلل في صرف الأدوية لمنع تكرارها. صيدلة إكلينيكية وأوضح «أحمد العامر» -صيدلي قانوني- أن «الصيدلة الإكلينيكية» تعني أن المختص يدخل مع الأطباء، ويكون مسؤولاً عن الجانب العلاجي والدوائي أكثر، ويتابع الحالة والجرعات والأعراض الجانبية، خصوصاً في المواقع الحرجة مثل العناية المركزة، ووحدة الأورام السرطانية، مبيناً أنه يوجد في أمريكا عيادات تُدار بواسطة صيدلي إكلينيكي كعيادة التجلط؛ ففي هذه العيادة يراجع المريض الصيدلي الإكلينيكي ويتابع تحاليله وجرعاته نقصاً أو زيادة، وهذا اتجاه جديد في عالم الصيدلة. تخصصات متعددة وذكر «حسن الخميس» -صيدلي قانوني ومُقيّم الصيدلة في مجلس مركز اعتماد المنشآت الصحية بالمملكة- أن الصيدلي الإكلينيكي يعطي رأيه في اختيار الدواء، وقد يُغيّر من رأي الطبيب في بعض الحالات، وأصبح يتخصص في المحاليل أو الأطفال، أو العناية المركزة، أو القلب وغيرها كحال الطبيب، مبيناً أن وجود الصيدلي الإكلينيكي في مستشفياتنا يقدم خدمة أفضل، فقد يحتاج إلى الجلوس مع المرضى الذي يستخدمون علاجاً معيناً لأول مرة كمرضى السكر الذين يستخدمون الأنسولين للمرة الأولى، ويتابع العملية الدوائية ويُقلّل التكلفة من خلال تحديد الجرعة الدوائية بدقة بدلاً من استنزاف الدواء، كما يتابع الأعراض الجانبية وحالات تسمم في الأدوية العلاجية؛ مما يفيد كمّاً وكيفاً. وقال إن كل هذه المهام الذي ذُكرت عن مهام الصيدلي يشترطها المجلس المركزي لاعتماد المنشآت الصحية والمعايير الدولية التي تؤمن سلامة المريض والعلاج من المستحيل أن ينفذها صيدلاني واحد؛ لذا من المهم وجود طواقم عمل أكثر، داعياً إلى فتح باب التوظيف أمام الصيادلة والصيدليات المواطنين للارتقاء بالخدمات الصيدلية، منوّهاً أن ذلك يتطلب رؤية من «وزارة الصحة» لا ترتكز على إضافة عبء على ميزانيتها، بل إلى كم سيخفف توفّر الفنيين والصيادلة في مواقعهم الصحيحة من إنتاجية أفضل وأخطاء طبية أقل، مبيناً أن جودة العمل تتطلب وجود سياسات وإجراءات مكتوبة للصيدلانيين، إلى جانب معايير تقييم مستمرة، وتدريب متواصل. دور أكبر وأشار «منصور التركي» إلى أن الصيدلي مؤهل إلى إعداد الأدوية وتجهيزها للمنوّمين في المستشفيات، وترتيبها بحسب تاريخ الانتهاء، ومدى خطورتها، إلاّ أن الواقع في المستشفيات يستلم الوصفة ويصرف الدواء وهذا خطأ، منوّهاً أن ندرة الصيادلة القانونيية في المملكة يفترض أن تجعلهم مهمين، إلاّ أن ذلك لم يمنحهم مميزات ولا وظائف، مبيناً أن وجود الفنيين في كل صيدلية بمهام تدربوا عليه يُفرّغ الصيدلي القانوني للأمور الإكلينيكية. وأوضح «العامر» أنه يوجد خلط بين الفني الصيدلي، والصيدلي القانوني، حيث يُكلف الفني بعمل الصيدلي، ويعتبر في نظر الكثير من الجهات الحكومية واحداً، كما أن النظرة السائدة عن الصيدلي أنه هو مجرد صرف دواء وحسب دون معرفة الفرق، وهذا أدى إلى عدم تطور الخدمات الصيدلية لدينا، مبيناً أن عملية صرف الدواء هي من اختصاص الصيدلي كونه الخطوة الأخيرة قبل صرف الدواء، وهو الذي يستكشف التداخلات الدوائية. وأضاف: «يوجد من حصل على درجة الماجستير في الصيدلة الإكلينيكية، لكنه حتى الآن لم يمنح الدرجة التي يستحقها، والسبب غالباً هو عدم وجود أرقام وظيفية؛ وبالتالي يتقلص طموح الصيادلة الطامحين إلى تطوير إمكاناتهم»، مقترحاً فتح المجال للابتعاث في تخصص الصيدلة، مبيناً أن مدة دراسة الصيدلية الإكلينيكية تستغرق سبع سنوات مثل كلية الطب، في حين أن مميزات الأطباء أعلى بكثير من نظرائهم الصيادلة. أبرز معوقاته: سيطرة «دخلاء المهنة»، قلّة الوظائف الحكومية، غياب الحوافز، عدم مواصلة الدراسات العليا سعودة غائبة وكشف «حسن علي» -صيدلي قانوني- عن أنه تقدم للتوظيف في أحد المستشفيات التابعة للحرس الوطني، بيد أنه تفاجأ أن من يجري المقابلة الشخصية والمفاضلة بين المتقدمين هو أجنبي من جنسية عربية، واختار ابن جلدته على الرغم من وجود مؤهلات من هم أجدر منه بموقعه، متسائلاً عن ضعف السعودة في هذا المجال لاسيما في ظل وجود مواطنين عاطلين وأكفاء في التخصص نفسه، مبيناً أن الصيادلة يعانون من قلّة الوظائف الحكومية في تخصصهم، على الرغم من الحاجة التامة للصيدلي الإكلينيكي في كافة المستشفيات. شركات الأدوية وتطرق «العامر» إلى شركات الأدوية العاملة في سوق المملكة الذي يعد الأكبر في الشرق الأوسط، مبيناً أنه على الرغم من الميزانيات الضخمة لتلك الشركات، إلاّ أن هناك ضعفاً كبيراً في سعودة الوظائف لديها، مطالبين وزارة الصحة أن يكون لها دور في الإسهام بتوظيف السعوديين والسعوديات في مجال الصيدلة بدلاً من كونهم عاطلين، ويحتل مواقعهم أجانب. طاقم عمل وذكر «الخميس» أن القطاع الصيدلي يجب أن يشتمل على «مدير صيدلية»، و»صيدلي أول، و»صيدلي ثان»، و»صيدلي محاليل طبية»، و»مدير مستودع أدوية»، و»مدير أدوية مخدرة وخاضعة للرقابة»، و»صيدلي قانوني أول»، و»صيدلي قانوني ثان»، و»مشرف صيدلية»، و»فني صيدلي أول»، و»فني صيدلي ثاني؛ ولذا ينبغي أن تكون المهام التي ينفذها كل واحد من هؤلاء داخل الصيدلية واضحة، ومن ذلك تحضير الدواء، وصرفه، وتسجيل الأخطاء الطبية، وملاحظة الأعراض الجانبية، ومخاطبة الأطباء ومتابعة المرضى، وتمكين المريض من استيفاء المعلومات، مبيناً أن هذه المهام قد تكون مدوّنة في اللوائح إلاّ أنها قد تكون في حالات غير مفعّلة، مشدداً على ضرورة أن لا تخلو الصيدلية من «صيدلي قانوني» على مدار الساعة. وأضاف أن «برنامج الصيدلة السريرية الإكلينيكية» الذي يعادل الماجستير معمول به فقط في العاصمة الرياض، حيث يستطيع الصيدلي إكمال دراسته وهو على رأس العمل، إلاّ أن عدد الصيادلة المقبولين سنوياً على مستوى المملكة لا يتجاوزون (12) صيدلياً، مطالباً بتعميم البرنامج على المدن الرئيسة والمحافظات الكبيرة، ذاكراً أن محافظة الأحساء -على سبيل المثال- يوجد بها (450) صيدلياً يحتاجون إلى تطوير قدراتهم، وإكمال دراستهم، كما هو نظرائهم في بقية المدن الأخرى، داعين «الهيئة السعودية للتخصصات الطبية» إلى عمل برنامج للصيادلة لإكمال دراستهم أسوة بالأطباء. غياب الحوافز ويشكو الصيادلة من أن «الصحة» لا تحفزهم على مواصلة الدراسة بشكل كافٍ، بينما تتاح للطبيب فرصة الإبتعاث الداخلي والخارجي وهو على رأس العمل؛ ما يمكنه من الحصول على «بوردز» متعدد وصولاً إلى التخصص الدقيق، ويعزز مستواه العلمي ويرفع مرتبه. وطالب عدد من الصيدليات بتأنيث الصيدليات الموجودة في المجمعات التجارية على غرار تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائي؛ حتى تتاح راحة أكبر للمرأة عندما تتعامل مع نظيرتها الصيدلية دون حرج. الصيدلي الإكلينيكي يسهم في تقديم الدواء للمنومين بجرعات دقيقة مهمة الصيدلي تجاوزت وضع الخطوط على علبة الدواء حسن الخميس منصور التركي أحمد العامر