يعيش الإنسان العربي حالة من الخوف، والهلع من مصائر مستقبلاته، إن على الصعيد القومي، أو الثقافي، أو الاجتماعي ، وإن على صعيد هويته، وانتمائه، وعرقه؛ فالوضع البائس الذي تعيشه الأمة، والانحدار الذي تسلكه في كل مقومات حياتها، والتشرذم الحاد والعنيف في علاقات الأنظمة ببعضها تكاد كلها أن تعصف بوجود العروبة فاعلة ومؤثرة ومنتجة وقادرة على الحياة واستيعاب التحولات والمتغيرات الدولية ، وصانعة لتاريخ أجيال تعيش المستقبل منافسةً، ومنخرطة في عملية الإنتاج، والعطاء، وإثراء الحضارة الإنسانية الأممية عبر العقل، والفكر. عشنا في الستينيات، والسبعينيات أحلام التحرر من الجهل، والفقر، والمرض ، والاستعمار الجغرافي، والفكري، وملأت جوارحنا أماني، وتطلعات الانعتاق من التخلف، وأنماط المفاهيم التي تسربل انطلاقتنا نحو صناعة التاريخ، وصياغة الرؤى والأفكار لنواجه التحديات، والمعوقات.. ونكون قادرين ومؤهلين بكل ألوان المعرفة، والوعي لاقتحام المستقبل، وإخضاعه لإرادتنا، وقولبته لصالح مسيرتنا القومية والتاريخية.. غير أن شيئاً من هذا لم يحدث.. عشنا الوهْم.. وعشنا الأحلام.. وعشنا الكذبة التي سوقتها أنظمة العسكر، وضخمتها آلتهم الإعلامية وأقنعت بها الشعوب، والإنسان. عشنا وهم النضالات، والتحرر، واستعادة الكرامة، وتحقيق حرية الرأي، والاختيار، والديمقراطية سلوكاً وممارسة.. غير أن هذا كله فضحته السجون والأقبية، وعرّته الانتكاسات، والهزائم التي لحقت بالأمة، وسلبتها الجغرافيا، والمقدرات، والكرامة، والمقدسات.. ماذا تغير..؟؟ هل تغير الواقع..؟؟ مطلقاً.. بل كان التغيير إلى الأسوأ.. فبدلاً من عملية الخداع.. والغش، والتضليل، والكذب الذي يمارس على الإنسان العربي.. صار تدجينه ليكون قطيعاً يساق بالخوف، والرعب، وآلة التعذيب، والموت في الأقبية والمعتقلات.. والذي نجا صار يصارع ويناضل من أجل لقمة يومه، وإشباع أفواه أولاده المفتوحة.. لقد أعجبني التوصيف الرائع للدكتور مأمون فندي: «انقسم العرب الآن إلى قسمين عرب الفضاء، وعرب الأرض» أي عرب الأوهام، والخيال، والشعارات، والخطب، والبلاغة التي يخدعون بها الإنسان، وعرب التفكير الواقعي المنطقي العاقل الذي يلامس المشكلات بدون أن يجعلها متاجرة وابتزازاً..