الإنصاف، والصراحة، والوضوح بعيداً عن طقوس وحفلات «التبخير» تدعونا إلى تكرار التأكيد بأن القيادة لديها الرغبة، والعزيمة إن لم نقل الإصرار والتحدي والمواجهة في تحديث المجتمع، وصياغة الإنسان، وتكريس التوجهات في صناعة الوعي، والتنوير، والمعرفة، وتدريب المجتمع على الإنتاج، والعطاء، والخلق، وإعداده للدخول من الأبواب الواسعة في منظومة المجتمعات التي تسهم في إثراء الحضارة البشرية، والمعارف الإنسانية عبر إعمال العقل، وتوظيف القدرات .. والإنسان طاقة هائلة جداً لو استغل جميع، أو بعض طاقاته لدان له العالم بأسره. لكن عليه أن يتفاعل، ويندمج، ويتقبل حالة الجديد، والمتحول، وما يقدمه العلم من إنجازات مبهرة قلبت الكثير من المعايير، والمفاهيم، وألغت ثوابت حياتية، واقتصادية، وفكرية، أو كان البعض يظنها ثوابت، وحقائق لا تتبدل من منطلق أن هذا الإنسان ظل جامداً، مقولباً، نمطياً، عاجزاً عن استخدام العقل، والفكر والاستنتاج، والبحث، والتفكير، ووقف على طلل يتماهى معه، ويجتر بطولاته، وعنترياته. «قل لمن يبكي على رسم درس واقفاً، ما ضرّ لو كان جلس»!! هكذا سخر النواسيّ، ونحن نتضامن معه..!؟ مشكلتنا، إن لم نقل كارثتنا، وهزيمتنا، وعارنا التاريخي أن القيادة في همّ التحديث، والتطوير، وبناء الإنسان الذي يفترض أن يكون المدماك الحقيقي في تجسيد رغبتها وهمّها ومحاولة القيادة أن تتخطى حالة الاعتماد على النفط في اقتصادها حيث يشكل ما نسبته 80% من الدخل القومي، إلى تنويع مصادر الدخل، وتثبيت اقتصاد متنوع ومتماسك وقوي ، وذلك بالاعتماد على الإنسان كعقل، وعطاء، وإنتاج، وتفاعل، غير أن عيوب المجتمع القديم تستمر في الوعي الفردي، وثقافة المجتمع القديم الإنتاجية، والتربوية، والفكرية، والحضارية تترسخ في الذهنية، والتصرف، والسلوك المعاصر. وكأنما الزمن ثابت لا يتبدل، ولا يتحول. رغم أن الإنسان لا يسبح في النهر مرتين. المجتمع السائر في طريق التحضر، والتنوير، والمعرفة الإنسانية، والثقافة الأممية يجب أن يحارب بقسوة كبيرة الكثير من مفاهيم الماضي، وأنماط حياته، وأساليب تفكيره، ورؤيته للحياة بشكل عام، والمستقبل الذي يجب أن يصنعه، ويقدمه إرثاً للأجيال القادمة، إذ أن ما يثقل كاهل المجتمع، ويسربل مساراته نحو فضاءات الشموس. هي بقايا تربية موجهة بانتظام نحو الاتكالية، والعجز، والهروب، والنفعية، والشوفينية، والسعي نحو مكاسب وامتيازات خاصة من خلال مفاهيم القبيلة، والأسرة، والمكانة الاجتماعية، والطبقية. وهذا النمط المكرّس والسائد لا يبني مجتمعاً حضارياً يدخل العولمة، وفعل الحضارة والتنوير، ويكون له مكان في القمة. إن التبدل يحتاج إلى تضحيات، وأولى التضحيات أن ننكر ذواتنا من أجل الوطن. وأن نعي وندرك أن المتفوق والمتميز هو من يقدم شيئاً للوطن لا أن يكون نبتاً طفيلياً شيطانياً يأخذ ولا يعطي، وهذا لا يتأتى إلا عبر التربية الذاتية المباشرة التي تتم من خلال الاستراتيجية التربوية، والثقافة التي ينشأ عليها الفرد، والمجتمع.