من تتاح له فرصة الاطلاع، والتعرف، والفهم لما يجري داخل مؤسساتنا التنموية، والاقتصادية، يدرك أن منعطفاً كبيراً. وتحولاً مهيباً ينتظران الوطن في كافة مناحي حياته الاجتماعية، والحياتية، ومسارات الرؤى المستقبلية، ويفهم بشكل واضح ومؤكد أن صناعة التحديث، والتحولات، والعبور إلى فضاءات الإنتاج، والعطاء، وفعل الخلق تتم بصورة مدروسة، ومعلمنة، وأن الرغبة جادة في تأسيس مداميك اقتصادية، وإنتاجية تؤسس لحياة أجيال قادمة، وتُخرج المفاهيم من حال الاستهلاك، والاتكال، والعجز، والهروب إلى عقل العلم، وعقل المعرفة، وحياة المصانع، والمشاركة، في خلق تنوير الإنسان الأممي، وتصدير ما ينتجه العقل المفكر، المستوعب لتحولات، ومستجدات العالم الذي نعيشه، ونحن جزء منه. أحسب أنها سنوات قليلة ونجتاز حال البلادة، والانعزال، والاتكال، ونشرع في دخولنا إلى عوالم ستغير وجه الحياة، كل الحياة إلى الأفضل، والأحسن، والأسمى. وسينقلنا واقع، وأنماط ما يخطط له من مدن اقتصادية، وإنتاجية، ومعرفية إلى تغير في المفاهيم، والتعاطي مع تفاصيل الحياة بصورة مغايرة تماماً عن الأنماط السائدة التي سربلتنا بالقيود، وانهكتنا بأثقال الوقوف على الماضي، واجتراره، وتمجيده، وما هو يعتبر الآن تخلفاً في كثير من عاداته، وسلوكياته. سيدخل أجيالنا المصانع، وسيتعاملون مع الآلة، ويضعون إنتاجهم في واجهة استهلاك الأمم الحضارية، ويقدمون الوطن كدولة تساهم في فعل صناعة، وصياغة حضارة الإنسان، ورفاه الإنسان، ويعرفون أنهم بوعيهم، وقدراتهم، وإلغائهم للسائد مما اصطلح "ظلماً" على تسميته بالعيب في ممارسة بعض المهن اندثر، وأن العيب كان في وقوفنا متفرجين نحسب أننا سادة العالم، والواقع هو أننا في سفح الهرم الحضاري، والإنتاجي. هذه حقائق سيرفضها الزمن . والزمن شلال هادر يجرف ما أمامه، والزمن - أيضاً - أكبر حرامي. يسرق مراحل حياتنا، ويسرق طموحاتنا، ويسرق توجهاتنا، فإذا لم نتفاعل معه كما لو نحن في سباق ماراثوني، فلن نستطيع تحقيق ذواتنا. المشكلة الكبيرة التي أراها معوقاً من معوقات انطلاقتنا، هي مشكلة التعليم ومناهجه، فالمؤسف أن ما يُخطط له، ويوضع كبرامج مستقبلية من مشروعات تنموية، ومدن اقتصادية، وفعل صناعة التحديث هو في واد، والتعليم وبرامجه وأهدافه وخططه في واد آخر، وكلّ يغني على ليلاه..!! الخلل أن لا يكون البناء، واستشراف المستقبلات متزامناً ويسير في تماس مع بعضه في كل مؤسساتنا، حتى إن الانفصام، والتباعد، وعدم تقارب الفهم يبدو واضحاً عند قراءة تفكير هذه المؤسسات التنموية، ومؤسسات التربية والتعليم لدينا.