منذ سقوط غرناطة، وصرخة الوجع، والمأساة التي أطلقتها أم أبوعبدالله الصغير آخر ملوك بني الأحمر، وصوتها العالي الذي لا يوارب، ولا يجامل، ولا يسوّغ حين قالت: "ابك مثل النساء ملكاً مُضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال" منذ ذلك الزمن السحيق والأمة العربية من سقوط إلى سقوط آخر مريع، ومخيف فقد بدأت مرحلة الهزائم، والانكسارات، والأوجاع، والتخلف، وتعودت البكاء، والنواح، والعويل، وفي أحسن الأحوال التغني بأمجاد خلت، وبطولات طويت، وإسهامات في بناء حضارة ووعي أصبحت الآن تعيش أوهامها، وتتذكر بادعاء إضافتها للبشرية. لقد نزلنا، أو سقطنا من مرتفعات الحلم في أن نكون أمة مؤثرة، فاعلة، منتجة، رائدة في مجالات التنوير والفعل المعرفي والثقافي، وبناء حضارة الإنسان الذي يتوق إلى عوالم مضيئة، فضاءاتها التسامح، والحوار، والتناغم، وتلاقح الأفكار، والعمل الواحد من أجل الإنسان مهما كان عرقه، ولونه، ومعتقده، وانتماؤه الجغرافي، والرفع من قيمة الإنسان بوصفه كائناً مفكراً، مبدعاً، خلاقاً، وتحفيزه على استخدام العقل الذي هو الأساس في بناء الأمم، والشعوب، نزلنا، أو سقطنا من مرتفعات الحلم هذه إلى فتن الطائفية، والمذهبية، والعرقية، وأشعلناها حرب إقصاء، وتهميش، وتخوين لكل من يختلف معنا في الرأي حتى ولو كان من أقرب الناس إلينا. بهذا المعنى فإننا أقررنا، أو كرّسنا - على الأصح - مقولة "كل من لا يتقدم يتأخر". وأعطيناها بعدها المادي، والمعنوي، وأثبتنا أننا أمة نتأخر، إن لم نقل نتخلّف. ونرتكس في قاع التخلف في المفاهيم، والرؤى، والسلوك، والممارسة، والفهم لكل ما يدور حولنا، ونعيش على هامشه. غوغائية الشارع العربي دليل صارخ. مفردات التخوين، والتكفير، والتحريض في منتدياتنا، وإعلامنا دليل آخر. ممارسات من يدعون أنهم "النخب السياسية" في الوطن العربي، وقول أحدهم "هذا عقالي أرفعه تحية لإسماعيل هنية، وهذا حذائي أرفعه في وجه محمود عباس" والرجل صاحب القول برلماني يشرع، ويخطط، ويرسم مستقبل أمة وشعب، هذا دليل ثالث. هل نستمر في استدعاء الأدلة؟ لا.. لا، فهي موجعة، ومؤسفة، ومحزنة. إن أردتم الحق فالبداية تكون من تحرير المواطن العربي من الأوهام، والخرافة، والمعجزة، وتحرير المجتمع من التخلف، والجهل، والبطالة، والفقر، وأن نشرع في علمنة مناهجنا الدراسية، ومؤسساتنا المدنية. وننفتح على العالم كصانعي قرار، ومؤثرين. لا متفرجين..