قبل 20 عاماً، وفي العام 1990، غزا صدام حسين الكويت، كان في طريقه لاقتطاع المنطقة الشرقية من المملكة، رئة اقتصادها وقلبها النابض بالحياة، بعدما ابتلع الكويت كاملة خلال أيام قليلة. في قلب العواصم العربية ومدنها ونجوعها كانت تقف حكومة «الإخوان المسلمين العالمية» كتفاً بكتف مع صدام حسين وبغيه على الشقيقتين الصغرى «الكويت» والكبرى «السعودية»، كانت تسير يومياً مئات الآلاف من المتظاهرين في الشوارع العربية حاملين شعارت وأعلام الإخوان في يد، وشعارات تخوين السعودية والخليجيين في يد أخرى. كانت في نظرهم الفرصة السانحة الأولى للاستيلاء على الحكم، حالمين بسقوط أنظمة الخليج والقفز على كراسيها. نسوا أنهم وقبل 20 عاماً فقط فتحت السعودية أبوابها لطريدي الإخوان المسلمين الذين فروا بجلودهم وعوائلهم ودينهم من ملاحقات أنظمتهم، لقد كان رد جميل هو الأسوأ في العصر الحديث، ويبدو أن لؤم الرد لا يزال مستمراً من خلال المحاولات الدائمة لثلم «كرسي» الوطن والاستيلاء عليه. اليوم وعلى بعد 20 عاماً أخرى من تلك الحملات الظالمة والفاشية على دول الخليج، أنظمة وتقاليد حياة، يدور السؤال المحير دائماً: كيف أمكن «للإخوان فقط» تحويل الحرام حلالاً، وكيف أمكنهم محو ذاكرة الناس، فكل تدافع الحلال محرم على غيرهم، وكل تدافع الحرام محلل مادام في خدمتهم. كيف عبأوا وحرضوا الشعوب «المسيرة»، غارسين في وعيهم ولا وعيهم، بأن عرب «النفط» هم من يضعوا أيديهم في يد الغرب الكافر، وهم من حولوا أراضيهم إلى منصة انطلاق 30 جيشاً لقتال صدام حسين، وأنهم هم من باعوا قضية فلسطين، وأن تحرير القدس يبدأ من احتلال الكويت وأبوظبي والرياض. لتتحول اليوم العلاقة بين الغرب «الكافر الملوث» والإخوان المسلمين إلى «برغامتية»، والتواصل حضارة، وقبول أمواله «هبات طاهرة»، والالتقاء مع مندوبيه ومرسوليه «تلاقح أفكار». كانت السعودية ومعها دول الخليج العربي «في نظر الإخوان المسلمين» وأزلامهم وصبيانهم في العالم العربي ملوثة بالتعامل مع الغرب وبيع النفط للغرب، وما كان حراماً عليها، أصبح اليوم «أحلى» الحلال على الحركة. اليوم تحول الغرب الملوث «بقدرة قادر» إلى دول صديقة يمكن التحالف معها والتحاور معها، من تحت الطاولة وفوق الطاولة «لا يهم»، وأصبحت إسرائيل العدوة «جارة»، ومعبر رفح نسياً منسياً، وقتال إسرائيل خروجاً على المرشد الولي الفقيه، والإبقاء على معاهدات السلام التي كانت سبباً للتحريض وقتل الرؤساء «احتراماً للمواثيق الدولية». فقط عندما يتمكنون يصبح المحرم مشروعاً، والمرفوض مقبولاً، والظلام نهاراً، إنها صناعة الأبيض والأسود تحت «بدلة» المرشد العام، وفوق منبر التدين الموهوم. إنها حكومة الإخوان المسلمين العالمية، التي تدير اليوم ماليزيا وغزة وتركيا والسودان ومصر وليبيا وتونس، وتحكم المغرب، وتسيطر على برلمان الكويت، وتحلم بإسقاط الأردن ودول الخليج في «براثنها»، فهل هي بالفعل خيار الشعوب، أم هي خيار «الضحك» على الشعوب، وبيع أوهام التدين، وعلامات السجود السوداء، التي لا تظهر إلا على شباب الإخوان المسلمين فقط، بينما لا تظهر إلا نادراً على بقية البليون مسلم لتغير خشونة الأرض ونعومة المفارش التي يسجد عليها الساجدون؟