هناك سلوكيات سلبية كالقتل والسرقة والاغتصاب تتفق كافة المجتمعات على سلبيتها وخطورتها (وتضع بالتالي قوانين لمحاربتها).. وفي المقابل هناك سلوكيات تختلف النظرة حولها بحيث يحاربها البعض ويتجاهلها البعض في حين يضعها البعض الآخر في خانة المسؤولية الفردية (كالإكراميات ومعاقرة المشروبات والعلاقات الجنسية)... وغالبا ما توضع السرقة ضمن الخانة الأولى (المتفق على سلبيتها بين الجميع) باستثناء حالات نادرة تحولت فيها إلى بطولة وعمل شريف.. وهذا النوع (من السرقات النبيلة) غالباً ما يظهر في تذمر العامة إذا حدث من ظلم الخاصة. ومن الملاحظ أن ثقافات العالم أجمع تملك قصصاً ومرويات حول هذا النوع من الرجال؛ ففي الأدب العربي مثلاً هناك (علي بابا) الذي دخل مغارة "الأربعين حرامي" ووزع الذهب على فقراء بغداد.. وفي التراث الإنجليزي هناك (روبن هود) الذي لجأ لغابة شرود يسرق من أموال الأغنياء لصالح الفقراء.. أما في فرنسا فهناك (آرسين لوبين) "اللص الشريف" الذي دوخ شرطة باريس ولكنه حظي بحب الفرنسيين البسطاء!! .. وحتى في أيامنا هذه نسمع بين الحين والآخر عن لصوص شرفاء حظوا بحب الجماهير بفضل مواقفهم الشريفة والنبيلة؛ فقبل فترة مثلاً قام الفقراء في جنوب الهند بمظاهرة كبيرة بعد قتل المجرم فيربان (الذي هرب من السلطات الهندية طوال عشرين عاماً) ولكنه حظي بشعبية كبيرة بفضل المخصصات المالية التي كان يدفعها بانتظام للأسر الفقيرة!! أما في إيطاليا فأعلنت الشرطة توقفها عن البحث عن لص نبيل (مجهول الهوية) بفضل شعبيته الواسعة بين الناس.. فهذا اللص اقتحم منزل سيدة عجوز أصيبت (لحظة دخوله بسكتة قلبية مفاجئة) فأنعش قلبها واتصل بالإسعاف مدعياً أنه ابنها وبقى بقربها حتى نقلوها للمستشفى - وحينها فقط تسلل خفية بدون أن يأخذ شيئا!!.. .. أما الأكثر غرابة فهو ظهور "نقابات" رسمية تضم في عضويتها شرفاء اللصوص (فقط).. ففي إسبرطة اليونانية كانت الدولة ترعى نقابة للشبان المجندين تنظم أعمال السرقة والسطو.. فهؤلاء الشبان كانوا - كجزء من تدريبهم العسكري - يعمدون لسرقة البيوت والمخازن العامة ولا تتم معاقبتهم أو سجنهم إلا في حالتين فقط: إذا نجحت الشرطة في القبض عليهم، أو حاولوا سرقة منازل الفقراء والمحتاجين!! أما الرحالة المعروف "تيودر الصقلي" فأبدى إعجابه بالأخلاق العالية التي تمتع بها اللصوص في مصر القديمة.. ففي كل عام كانوا يجتمعون لانتخاب شيخ أو عميد لهم يتعهدون أمامه بعدم سرقة الفقراء والمساكين. وحين يقوم أحدهم بسرقة شيء من الأغنياء يبادر لتسجيله لدى شيخ الطائفة (متضمناً عنوان المنزل واسم المالك). أما المسروقات نفسها فتظل في عهدة اللص حتى تستعلم عنها الشرطة فيردها إلى شيخ الطائفة نظير مكافأة صغيرة تنجيه من السجن وذل السؤال!! على أي حال.. رغم إعجابي القديم بأرسين لوبين تظل السرقة عملا محرماً ومنافيا للقانون والأخلاق...