هل يمكن أن يكون لصاً وشريفاً في نفس الوقت!؟ - وكيف يصبح الخارج على القانون سيداً نبيلاً في نظر المجتمع!؟ ... غالباً ما يظهر "اللص الشريف" في ظروف الفقر والعوز وتذمر العامة من ظلم الخاصة؛ ففي ظروف كهذه لا يتطلب الأمر أكثر من رجل نبيل يقف بشجاعة أمام تسلط الحكام واحتكار التجار ويسرق منهم لصالح الفقراء والمحتاجين.. ومن الملاحظ أن ثقافات العالم أجمع تملك قصصاً حقيقية حول هذا النوع من الرجال؛ ففي الأدب العربي مثلاً هناك (علي بابا) الذي دخل مغارة "الأربعين حرامي" ووزع الذهب على فقراء بغداد.. وفي الأدب الإنجليزي هناك (روبن هود) الذي لجأ لغابة شيروود يسرق من أموال الأغنياء لصالح الفقراء.. أما في فرنسا فهناك (آرسين لوبين) "اللص الشريف" الذي دوخ شرطة باريس ولكنه حظي بحب الفرنسيين البسطاء!! .. وحتى في أيامنا هذه نسمع بين الحين والآخر عن لصوص شرفاء حظوا بحب الجماهير بفضل مواقفهم النبيلة؛ فقبل أيام مثلاً قام الفقراء في جنوب الهند بمظاهرة كبيرة بعد قتل المجرم فيربان (الذي اشتهر باسم قط الأدغال بعد هربه من السلطات الهندية طوال العشرين عاماً الماضية). ورغم أن أعمال فيربان تنوعت بين القتل والسرقة ورشوة المسؤولين، إلا أنه حظي بشعبية واسعة بفضل المخصصات المالية التي كان يدفعها بانتظام للأسر الفقيرة!! أما في روما فتوقفت الشرطة عن البحث عن لص نبيل (مازال مجهول الهوية) بفضل شعبيته الواسعة بين الناس.. فهذا اللص اقتحم منزل سيدة عجوز أصيبت (لحظة دخوله) بسكتة قلبية مفاجئة. ومن حُسن الحظ أنه كان متمرساً في الإسعافات الأولية فأنعشها قلبياً واتصل بالإسعاف مدعياً أنه ابنها.. ليس هذا فحسب بل بقي بقربها حتى نقلوها للمستشفى - وحينها فقط تسلل خفية بدون أن يأخذ شيئاً -! .. أما في هونج كونج فأعلن بنك بس عن قيام أحد موظفيه طوال الثلاث سنوات الماضية بسحب (دولار واحد في الشهر) من حسابات الأغنياء وتحويلها إلكترونياً إلى حساب الجمعيات الخيرية.. المفارقة هنا أن الجمعيات الخيرية هي التي أبلغت البنك عن تلقيها تبرعات شهرية مجهولة في حين لم يشعر الأغنياء بما يحدث!! .. أما الأكثر غرابة من حكايات اللص الشريف فهو ظهور "نقابات" تضم في عضويتها عدداً كبيراً منهم.. ففي إسبرطة اليونانية كانت الدولة ترعى نقابة للشبان المجندين تنظم أعمال السرقة والسطو. فهؤلاء الشبان كانوا - كجزء من تدريبهم العسكري - يعمدون لسرقة البيوت والمخازن العامة ولا تتم معاقبتهم أو سجنهم إلا في حالتين فقط.. إذا نجحت الشرطة في القبض عليهم، أو حاولوا سرقة منازل الفقراء والمحتاجين!! أما الرحالة المعروف "تيودر الصقلي" فأبدى إعجابه بالأخلاق العالية التي تمتع بها لصوص مصر القديمة. ففي كل عام يجتمعون لانتخاب شيخ أو عميد لهم يتعهدون أمامه بعدم سرقة الفقراء والمساكين. وحين يقوم أحدهم بسرقة شيء من الأغنياء يبادر لتسجيله فوراً لدى شيخ الطائفة (متضمناً عنوان المنزل واسم المالك). أما المسروقات نفسها فتظل في عهدة اللص حتى تستعلم عنها الشرطة فيردها إلى شيخ الطائفة نظير مكافأة صغيرة تغنيه عن السؤال!! ... بقي أن أشير إلى أن أسوأ أنوا اللصوص هم من يتلبسون بمظهر "اللص الظريف" لمصلحتهم الشخصية. وهذه النوعية يمثلها بأفضل وجه زعماء الانقلابات العسكرية والأنظمة الفردية في دول العالم الثالث. فما أن يستولى أحدهم على الحكم حتى يعلن عن تأميم الممتلكات ومصادرة الثروات الخاصة لصالح الشعب. ونتيجة لهذا يتحول - في نظر الفقراء والمحرومين - إلى لص شريف يحظى بحب وتأييد الجماهير.. ولكن (كلها شهرين أو ثلاثة) حتى يتضح أن "روبن هود" الجديد مجرد ديكتاتور نذل يسرق الأغنياء باسم الفقراء ويستنزف ثروات البلد لمصلحته الخاصة...