هذه الفئة قنابلُ موقوتةٌ مهيَّأةٌ للانفجار، ورصاصاتٌ قاتلةٌ متأهبةٌ للانطلاق، ومرضٌ عُضالٌ في جسد المجتمع، وكيف لا تكون كذلك وقد غامرت في طريقٍ خطيرٍ انتهجت فيه مخالفة الأنظمة، واعتمدت على أسلوب التخفي والحيل؟!.. تتفاوت خطورة التصرفات الضارَّةِ بحسب تفاوتِ المصالح التي تتأثَّرُ من جرَّائِها، وإذا كان كذلك فأخطرُ التصرفات ما أدى إلى خللٍ في إحدى الضروريات الكبرى، وإذا تعلّق ذلك الخللُ بأكثر من واحدةٍ من هذه الضروريات تفاقم الخطر، وغلظت الحرمة، واستحقَّ الفاعل ردعاً بالغاً، ولا غبارَ على أن إدمان المخدرات من التصرفات التي ينتج عنها الخلل في عددٍ من الضروريات الخمس (إن لم نقل في كُلِّها)، أما الدين فقد عدَّ العلماء تعاطيَ المخدرات من كبائر الذنوب، وأما النفس فإن صحة المدمن في مهبِّ الريح لفداحة الأمراض التي تنجم عن المخدرات، ولاقتران إدمانها بالتصرفات المهلكة التي يزُجُّ فيها المدمن بنفسه، وأما العقل فإنه الضحية التي تتلقى بالإدمان ضربةً قاصمةً، وبواسطة اختلاله حين التأثر بالمخدر ينطلق المتعاطي إلى المشكلات والجرائم بفورةٍ عارمةٍ، وصولةٍ غاشمةٍ، وأما المال فهو أولُّ مجنيٍّ عليه ببذل الطائل منه فيما لا يجوز أن يُبذل فيه، وضخِّهِ في أيدٍ آثمةٍ مجرمةٍ تُسخِّرُهُ لزعزعة الدول والإرهاب، ولي مع خطورة تصرفات مدمني المخدرات وقفات: الأولى: لخطورة المخدرات سُنَّت الأنظمةُ التي تُجَرِّمُ تعاطيَها وترويجَها، وللدولة - أيدها الله تعالى - جهودٌ عظيمةٌ في هذا الشأن، تتمثل في إنشائها للإدارة العامة لمكافحة المخدرات، وتُعاضدُها الجهات الأمنيةُ ذات الصلة في سبيل مكافحة هذا الخطر الكبير، وكم سمعنا من أخبارٍ سارةٍ تتعلق بإحباط التهريب مع تفَنُّنِ المهربين وتفانيهم في إخفاء المخدرات، لكن دقة وحذق رجال الأمن والجمارك كثيراً ما تقضي على حيلهم وتكشف مستورهم، والذي يُغذي شهِيَّةَ المهربين والمروجين هو رواج سلعتهم عند المدمنين، فدورُ المدمنِ عبارةٌ عن إقامة السوق لهذه الْمَهلكةِ، وهو لا يدخر جهداً في توفير متطلبات إدمانه، ولا يُهادنُ في معركته مع النظام، بل يبقى دائم الكدِّ في التعاون مع المهرب والمروج في تطوير الأساليب، والمجتمع هو الضحية لذلك؛ لأن كل جرعةٍ يتعاطاها المدمن تُفرزُ منه تطاولاً وتعدياً على فردٍ من المجتمع، ويتنوع هذا التطاول ليشمل الإيذاء اللفظيَّ والمالي والجسدي الذي قد يصل إلى القتلِ، أو الشروعِ فيه، كما يشمل تغرير أهل العافية خصوصاً الناشئة بتوريطهم في التعاطي بأساليب ماكرة، وخطط مبرمة، وبناء على هذا فعلى جهات الضبط والتحقيق والقضاء أن تحمل على عاتقها مسؤولية الدفاع عن المجتمع، والحفاظ على أمنه وأفراده من اعتداء هؤلاء المجرمين بإصدار العقوبات المغلظة التي تردعهم، وتحول بينهم وبين اعتدائهم الآثم، فكم أزهقوا من نفسٍ، وكم هتكوا من عرضٍ. الثانية: هذه الفئة قنابلُ موقوتةٌ مهيَّأةٌ للانفجار، ورصاصاتٌ قاتلةٌ متأهبةٌ للانطلاق، ومرضٌ عُضالٌ في جسد المجتمع، وكيف لا تكون كذلك وقد غامرت في طريقٍ خطيرٍ انتهجت فيه مخالفة الأنظمة، واعتمدت على أسلوب التخفي والحيل لتسيير شأنها، ولا يخلو فردٌ منها من قرينِ سوءٍ يستميت في معاضدته على ما هو فيه من الغيِّ، وهذا من القواسم المشتركة بين المخدرات وبين الإرهاب، فالمدمنون للمخدرات ومنتجوها ومروجوها والإرهابيون أمةٌ بعضها من بعض، فبينهم مؤاخاةٌ تتجسد بنزعة الانتقام من المجتمع، والاندفاع إلى الشرِّ بهمةٍ وطاقةٍ لا يكبح جماحها دينٌ ولا عقلٌ ولا ضميرٌ ولا مروءةٌ ولا عرفٌ ولا رحمٌ، والجميع مُولَعٌ بالاستخفاف بأمن المجتمع، وبحرمة أفراده، ومُتهاونٌ بالجناية على النفس والمال والعرض، وكثيرٌ من بؤرِ الإرهاب تُضخُّ عليها الأموال من عائدات مبيعات المخدرات، فتضخُّ بدورها سمومها في المجتمعات عن طريق سلعتها المشؤومة، فالمال الذي يبذله المدمن ينتهي به المطاف إلى جيب بعض عُتاة الإرهابيين على اختلاف أصنافهم، وتنوع ما يتقمَّصونه من الشعارات، فهو في النهاية مسمارٌ يُدقُّ في نعوش أبرياءَ في بقعةٍ ما من المعمورة، ولو لم يكن للتعاطي من السلبيات إلا هذا لكفى في ضرورية الوقوف أمامه. الثالثة: التهاون مع هذه الفئة الباغية ينعكس على المجتمع بالأضرار البالغة، والعاطفة معهم سلوكٌ يُجانبُ الحكمة، وهو مفسدةٌ خالصةٌ لا تنطوي على أدنى مصلحة، ولا أساس من الصحة لما يتخيله من يغضُّ الطرف عن هؤلاء أو يتساهل معهم من كون السكوت عنهم من قبيل الشفقة والرأفة؛ لأن إعانتهم على التمادي فيما هم فيه عبارةٌ عن تهيئةِ الفرصة لهم للإمعان في القضاء على صحتهم وعقولهم وأموالهم، وللإمعان في التعدي على الآخرين، ومن تَرَكْتَهُ يُنْهِكُ صحته، ويعتدي على الناس فلستَ بمشفقٍ عليه، بل أنتَ ظالمٌ له ولغيره، أما وضعهم تحت يد النظام ففيه تحصيل المصالح ودرء المفاسد، والنظام إذا وقعوا تحت طائلته حماهم من الإجهاز على أنفسهم، وحال بينهم وبين ظلم الخلق، وله آليةٌ يستفيد منها بعضهم في التعافي من معضلة الإدمان، فيكون له ذلك فرصة لاستنئاف الحياة من جديد، فالعجب ممن يستثقل أن يسود النظامُ على الجاني، ولا يُبالي بإفلات المجرم بجنايته ومراغمته للأنظمة ومضايقته للمجتمع!