إعداد - خالد الدوس: تمثل ظاهرة المخدرات مرضا عضالا يفتك بالجسد الاجتماعي، وخطرا يهدد بطبيعة الحال أمن المجتمع وسلامته وتشكل المخدرات بسمومها الفتاكة أزمة حالكة، وقضية عالمية أخذت شبكتها في الانتشار وأبعادها الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والنفسية والصحية أضحت تهدد بالطبع المجتمعات على اختلاف مستوياتها المتقدمة والمختلفة على وجه العموم. والمخدرات كما اشرنا سلفا مرض عضال يشل الأفراد متى ما سلك الإنسان طريقها المدمر فانه بالتالي يصبح أسيراً لها خصوصاً وان طريقها سهل، لكن الخروج والتحرر منها صعب جداً، جداً، فهي -أي المخدرات- تحدث شرخا عظيما في الأسر فينشأ التوتر والشقاق والخلافات والعداوة والبغضاء والمنازعات مما يلقي ذلك بظلاله على المجتمع فيصبح المجتمع مجتمعاً مريضاً بأخطر الآفات ومثقلا بأوجاعه وأسقامه يسوده التمزق والكساد والتخلف وتعمه الفوضى، ويصبح بالتأكيد فريسة سهلة للأعداء للنيل منه في عقيدته وثرواته ومدخراته، لأنه إذا ضعف الفرد ضعف المجتمع وإذا ضعف الشباب ضعف الوطن، وإذا ضعف إنتاج الوطن أصبح بطبيعة الحال خطراً على الإنتاج والاقتصاد الوطني. ولا شك أن الشريعة الإسلامية وإدراكا لما تسببه هذه الآفات السامة وهذه الأزمة المستعصية (المخدرات) من مشكلات اجتماعية وسياسة وصحية واقتصادية وأمنية تقع على كلٍ من الفرد والاسرة والمجتمع، فقد حرمًت كل ما يؤدي إلى الوقوع في براثن هذه السموم القاتلة، فموقف الشرع الإسلامي من المخدرات يتمثل في تحريمه جميع أنواعها وأشكالها وأصنافها بالنصوص القاطعة بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة، بالإجماع لعلة الاسكار ومخالطة العقل وستره وان تحريم المخدرات اشد وأعظم فهي تشمل عناصر الموبقات التي تواجه بالتحريم الشرعي فهي أي المخدرات مفسدة للدين والعقل والنسل والنفس والمال أي الضرورات الخمس، وأضرارها ومفاسدها على الدين وعقل الفرد وشخصيته ومجتمعه لا يمكن حصرها عبر هذه الأسطر, و قبل ان نستعرض الأسباب والآثار والحلول نتناول بعض التعريفات المتعلقة بهذه الظاهرة المستوردة (المخدرات). المخدرات: تعرف بأنها مادة طبيعية أو مصنعة تعمل في جسم الإنسان وتؤثر عليه فتغير إحساسه وتصرفاته وبعض وظائفه وينتج عن تكرار استعمال هذه المادة نتائج خطيرة على الصحة الجسدية والعقلية وتأثيرها مؤذ على البيئة والمجموعة. (عبد اللطيف: الإرشاد الاجتماعي لتعاطي المخدرات: (1412). المخدرات لغة: فتور يغشي الأعضاء باليد والرجل والجسد وخلاصة القول إن المخدرات تطلق على كل شيء يورث الكسل والضعف والفتور والاسترخاء أو لستر العقل ويغطيه (الطخيس: المخدرات:2004). المخدرات في القانون:- يعرف القانون المادة المخدرة بأنها العنصر أو المركب أو المحلول المحتوي على الأفيون أو الحشيش أو الكوكا أو الهروين.. بنسبة خاصة يكون من شأنها أن تغير الجسم أو العقل أو تهيم الشعور ذلك بأن معظم المواد المخدرة لا بد أن تحتوي على هذه المواد وتؤدي بالتالي إلى الإدمان, دراسة (الدغيش:2010). الإدمان:- وصفت منظمة الصحة العالمية (who) الإدمان بأنه حالة مؤقتة أو مزمنة من السكر الضار بالفرد والمجتمع تترتب على التعاطي المتكرر لعقار طبيعي أو مركب وتتضمن خصائصه رغبة أو حاجة قهرية لمواصلة تعاطي المخدرات والحصول عليه بأية وسيلة من الوسائل أو رغبة في زيادة الجرعة، وهو اعتماد نفسي وبدني وحدوث إثارة ضارة بالفرد والمجتمع. دراسة (الذويني: 1419). الحشيش:- هو نبات حولي، سمي قديما بالقنب الهندي وهو نبات ينمو طبيعيا أو بريا ومن الممكن زراعته في جميع المناطق لأنه ينمو بسهولة ويتم تعاطي الحشيش عن طريق التدخين في الحوزة أو عن طريق التدخين أو غليه بنفس طريق غلي القهوة أو بلعه في صورة حبوب أو خلطه مع أصناف الطعام كالحلوى أو المربى. (المعجون: مكافحة جرائم المخدرات:1411). التعاطي:- عرفت منظمة الصحة العالمية تعاطي المخدرات بأنه الاستعمال الزائد أو المتواصل عن الحد للمخدرات بما لا يتفق أو يتصل بالممارسة الطبية المقبولة (الذويبي:1419). وتحريم المخدرات بالقياس على الخمر بجامع الإبصار وكلاهما يؤدي الى الاسكار وذهاب العقل وعلة تحريم الخمر في الإسلام هي الاسكار ولكون المخدرات اشد مخاطرة للعقل من الخمر نفسها وان حكمها الشرعي هو التحريم قياساً على الخمر لاتحادهما في علة الحكم، قال (صلى الله عليه وسلم) في حديث أخرجه الترمذي (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام). وفي أعلى درجة من درجات تحريم الخمر أمر الله عز وجل المؤمنين باجتنابها ووصفها بأنها رجس من عمل الشيطان، وهو الذي يزين تعاطيها حتى يؤثر على الإنسان ويفقده عقله، قال الله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إنَّما يُريدُ الشَّيطان أَنْ يُوقِعَ بيْنَكُم العَدَاوةَ وَالبغْضاءَ في الخمْرِ وَالميْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَن الصَّلاةِ فَهَلْ أنتمْ مُنتَهون (المائدة: 90-91). وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا ضرر ولا ضرار). فإذا طبقنا مضمون هذا الحديث الشريف على هذه الأزمة وهذه الأضرار الجسمية والنفسية والصحية والاقتصادية والأمنية والسياسية فإنها لا تعد ولا تحصى.. فهي مفسدة للدين والعقل والنسل والنفس والمال وقد اثبت العالم اجمع ضررها ومخاطرها مما جعل تجريمها دولياً في جميع المجتمعات وفي شتى أرجاء المعمورة، وهذه الأزمة الاجتماعية الخطيرة تجعل من صاحبها شخصاً منهك القوى، ضعيف الجسد، عرضة للأمراض تؤدي به في معظم الأوقات إلى الوفاة والانتحار والعياذ بالله، والله عزَّ وجل في محكم التنزيل يأمرنا أن لا نلقي بأنفسنا بالمهالك، وما هذه السموم الفتاكة (المخدرات) إلا إحداها، قال تعالى: وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ -البقرة: 195-. وهي بالإضافة إلى مخاطرها الجسمية والنفسية والاجتماعية والأمنية فهي أيضاً مضيعة للمال وتبذير له وإسراف فيه وتهور لنعم الله التي أمنا عليها وسوف نسأل عنها يوم القيامة، قال تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورا -الإسراء: 27. ولان ظاهرة المخدرات تمثل قضية معقدة حيث تدخل فيها العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية فهي تطلب بالتأكيد مواجهة شاملة وجهود متكاملة على المستوى الإقليمي والدولي للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة على المجتمعات. ومجتمعنا السعودي الفتي الذي يعيش مرحلة شبابه باعتبار ان 65% من تركيبته الديموغرافية.. تمثلها في هرمه السكاني (الفئة الشبابية)، يشكل احد هذه المجتمعات في العالم التي لم تسلم من هذه الأزمة الفتاكة: فالمملكة جزء لا يتجزأ من هذا العالم تتأثر به وتتفاعل معه خاصة بعد أن أصبح العالم كالقرية الصغيرة نظراً للانفجار المعلوماتي والتطور التكنولوجي في شتى المجالات، والمملكة لا شك تتميز بعدد من الخصائص كموقعها الجغرافي وحدودها المترامية الأطراف وكثرة الدول المشتركة معها في الحدود علاوة على وجود الأماكن المقدسة التي تستقبل مئات الألوف سنوياً لأداء مناسك الحج أو العمرة وكذا كونها دولة مفتوحة للعديد من الحسنات التي قدمت مع انطلاق التنمية النفطية في السبعينات الميلادية الأمر الذي أحدث تغيرا اجتماعيا واقتصاديا سريعا على المجتمع ولا ريب أن كل هذه العوامل المشار إليها آنفاً جعلت من المملكة العربية السعودية دولة مستهدفة لترويج ونشر هذه الآفات المدمرة وهذه الأمراض الفتاكة وخلال شهرين تمكنت الأجهزة الأمنية بالمملكة العربية السعودية من إحباط تهريب وترويج كميات هائلة من الهروين النقي والحشيش المخدر وأقراص الكبتاغون، وإلقاء القبض على 195 (بينهم 108) سعوديين من المتورطين بالمشاركة فيها وبحوزتهم تسعة ملايين حبة مخدرة وثلاثة أطنان من الحشيش و 20 كغم هروين (صحيفة الرياض: العدد 15276) وتبعاً لذلك أكد المتحدث الأمني بوزارة الداخلية السعودية أن بعض المهربين ال195 استخدموا أساليب جديدة مبتكرة في التهريب، بيد أن الأجهزة الأمنية تمكنت من كشفهم، مشددا على حرص المملكة على عدم استغلال مواسم الحج وزيارات المقدسات في محاولات تهريب المخدرات أو ترويجها في هذه الفترة (صحيفة الحياة: العدد 17183)، وطبقا للإحصائية أن الكميات التي ضبطتها الأجهزة الأمنية عام (1430) والتي أوضحت أن عدد القضايا وصل إلى 30.768 ألف قضية بلغ عدد المتهمين فيها 37.828 ألف شخص، وذكرت الإحصائية أن الفترة ذاتها شهدت مصادرة نحو 62.1 مليون حبة كبتاجون، 17 ألف طن حشيش، 60 ألف كيلو غراما هيروين، 775 طن قات، وطبقا لصحيفة المدينة العدد (18618) كشف المتحدث الأمني بوزارة الداخلية أن الجهات الأمنية المختصة تمكنت بالتنسيق والتعاون مع مملكة البحرين الشقيقة من رصد ومتابعة وإحباط محاولتين لتهريب (22.085.570)، اثنان وعشرون مليوناً وخمسة وثمانون ألفاً وخممائة وسبعون قرص أمفتيامين تقدر قيمتها السوقية 1.038.021.790- مليار وثمانية وثلاثون مليوناً وواحد وعشرون ألفاً وسبعمائة وتسعون ريالاً. أبرز الأسباب وعندما نتناول أسباب هذه الظاهرة الاجتماعية الفتاكة والتي يمكن أن نصنّفها بالفعل أنها ظاهرة عالمية نجد أن أبو الجرائم (الفقر) يقف على هرم المسببات, إضافة إلى الأسباب الأخرى وهي قلة فرص العمل والتفكك الأسري والجريمة المنظمة، أيضاً تزايد حجم الإنتاج غير المشروع من المخدرات والمؤثرات العقلية، وعدم احكام الرقابة على التجارة الدولية المشروعة للمخدرات والمؤثرات العقلية، وكذلك عجز بعض الدول عن مكافحة الإنتاج غير المشروع في المخدرات أو استخدام أراض لعبور المخدرات من دول الإنتاج إلى دول الاستهلاك، إضافة إلى الحروب الطائفية والإضرابات العنصرية وتوظيف المكاسب الطائلة في تسهيل النشاط الإجرامي للمنتجين والمهربين واستفادة المنظمات الإجرامية من التقدم العلمي (عيد: أبحاث مكافحة الجريمة). كما أن التغير الاجتماعي المفاجئ أدى إلى تغيير في القيم والمعايير الاجتماعية التي كانت سائدة بين أعضاء المجتمع، فبدأت مهام الأسرة تنحصر عما كانت عليه وتتقلص حتى أصبحت بعض هذه المهام تباشر عن طريق مربيات أجنبيات ذات خلفيات مختلفة بالاعتقادات والعادات والتقاليد، وفي مثل هذه الصورة أصبح بعض الشباب يعاني من الضياع والتوتر بغياب الرقابة والسلطة الأسرية على أطفالها، وهذا لاشك كان له دور مؤثراً في توجيه سلوك الشباب فنجد بعضهم يلجأ إلى استعمال المخدرات محاولين تحقيق الذات من خلال البحث عن تجارب جديدة لان الأسر التي كانوا يلجئون إليها قد تمزقت روابطها ووهن دورها التربوي كما أن كثرة العمالة الأجنبية خاصة الآسيوية التي ساهمت في إحداث تغيير كبير في التركيبة السكانية لعبت دورا في جلب عادات وتقاليد ومعتقدات وافدة تسببت في جلب كثير من السلوكيات المنحرفة الشاذة معهم مما يؤيد دور العمالة في الاتجار واستعمال المخدرات، هذا علاوة على الموقع الجغرافي حيث ان الموقع الاستراتيجي لمنطقة دول الخليج القريب من منطقة (باكستان وإيران وأفغانستان) وبلدان شرق آسيا المنتجة للمخدرات مما جعلها هدفاً ومرتعاً خصباً للمخدرات ليس فقط للاستعمال والاتجار بها داخل الدول ولكن أصبحت منطقة عبور مهمة لمخدرات هذه الدول إلى أوروبا الغربية (الطخيس: المخدرات، 2004م). كما أن من الأسباب المهمة وراء استفحال هذه الآفة المدمرة السفر للخارج، حيث إن الثراء المفاجئ الذي توفر بأيدي شباب دول الخليج والمملكة تحديداً جعل لديهم القدرة على السفر والتنقل من بلد إلى آخر تختلف عادة فيه التقاليد والعادات وتتميز بالإباحية وعند خروج الشباب من حدود بلدانهم يصبحون بدون رقابة ويجدون مغريات أمامهم يصبح هذا الشيء عادة لديهم، فبالتالي يصبحون في النهاية مدمنين على المخدرات وهكذا يضطرون إلى السفر للخارج للحصول على إشباع رغباتهم، كما أن الفراغ الذي يعاني منه الشباب في ظل قلة الأماكن الخاصة بالترويح والتسلية ساهم في اتجاه الشباب إلى تمضية وقتهم في أشياء ربما تعود عليهم بالخطورة والضرر على أنفسهم والمجتمع، فنجد الشباب يجوبون الشوارع والأزقة ويقومون بارتكاب سلوكيات خارجة عن المعايير الاجتماعية مثل ظاهرة التفحيط، وتكسير المصابيح، وإزعاج المواطنين ومشاهدة الفضائيات وغيرها من الأعمال الشاذة وكل هذه السلوكيات السلبية تلعب دوراً هاماً في جذب هؤلاء إلى تعاطي المخدرات كبديل لقضاء وقت الفراغ نعم هنالك متعاطون سقطوا في وحل الإدمان بسبب الفراغ القاتل. وأيضاً وسائل النقل حيث إن تطور وسائل النقل والاتصال السريع بين دول الخليج العربي والدول ذات العلاقة بزرع وتهريب المخدرات له دور كبير في إيصال المخدرات إلى المنطقة وبسرعة وبكميات كبيرة، أيضاً إذ إن وسائل النقل لا تقتصر على الطيران فحسب بل إن الكميات الضخمة تصل عن طريق البحر حيث إن سواحل كثيرة من دول الخليج العربي والمملكة منها بالطبع تفتقر إلى الحزم الأمني. وأخيراً وليس آخراً من الأسباب المؤدية إلى انتشار هذه الآفة المستفحلة قصور بعض التشريعات الرادعة ضد الممول والمروج والمتعاطي حيث إن الاختلاف في التشريعات العربية الخاصة بالمخدرات وتفاوت العقوبات يشجع المهربين على المضي في التهريب دون خوف من عقوبات بعض القوانين الخاصة بالمخدرات خصوصاً وأن أباطرة المخدرات يقدمون مكافأة للقبض على رجال مكافحة المخدرات مثل صناعة السلاح لها أباطرة ومروجون وتجار كبار في العالم، يعقدون مؤتمرات قمة لهم لتدمير العقل البشري. (الحقيل: 2004م). آثارها التدميرية على المجتمع وعندما نتناول الآثار الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأمنية والصحية والثقافية المتمخضة من رحم هذه الأزمة الخطيرة (المخدرات) فهي لا شك تؤكد أن للمخدرات آثاراً كثيرة ومتعددة ومتنوعة على الفرد والأسرة والمجتمع، فمن آثارها الصحية والنفسية تؤدي المخدرات إلى الإصابة بعدة أمراض خطيرة ومؤثرة قبل الإصابة بمرض الذهان (اختلال العقل)، مرض الاكتئاب، القلق، كما يؤدي الإدمان على المخدرات في بعض الأحيان إلى الإصابة بالغرغرينا، وبالتالي قطع أطراف اليدين أو الرجلين، كما تسبب إتلاف الكبد، حيث إن بعض المواد المخدرة تسهم في تحليل خلايا الكبد ويسبب أيضاً التهاب المعدة، وبالتالي تعجز المعدة عن القيام بوظائفها وكما تسبب التهاباً في المخ وتآكل ملايين الخلايا العصبية التي تكوِّن المخ، ما يؤدي إلى فقدان الذاكرة والهلاوس السمعية والبصرية والفكرية، أيضاً التأثير في حدوث اضطرابات القلب ومرض القلب وارتفاع ضغط الدم وانفجار الشرايين ويسبب كذلك فقر الدم الشديد وتكسر كرات الدم الحمراء، كما أن تعاطي المخدرات بسبب تهيج الأغشية المخاطية والشعب الهوائية وذلك نتيجة مواد كربونية وترسبها في الشعب الهوائية مما يزيد أو ينتج عنها التهابات رئوية مزمنة قد تصل إلى الإصابة بالتدرن الرئوي.. كما أن الأطباء أثبتوا أن المخدرات سبب جوهري لأمراض السرطان ونقص المناعة - الايدز - (الحقيل: 2004م). أما على صعيد الآثار الاجتماعية فإن أهم الآثار المترتبة على تعاطي المخدرات هي الأضرار الاجتماعية التي بلا شك قد تلقي بظلالها على الحياة بشكل عام بدءاً من الضرر الواقع عن الفرد المتعاطي مروراً بأسرته وامتداداً إلى مجتمعه فهناك آثار كبيرة، منها الانعزالية وعدم مشاركة الآخرين في تقرير المصير، وعدم القدرة على الابتكار والإنتاج كذلك من الآثار الاجتماعية التفكك الأسري والنفور من المجتمع والمحيطين به، وبالتالي نشأة أسرة ضعيفة مفككة لكون المتعاطي قد اخل بدور الأسرة وأهميتها في إيجاد جيل صالح وفعّال يؤدي دورة تجاه مجتمعه بكل نشاط وهمة أيضاً، يمثل المدمنين خطراً على حياة الآخرين من حيث أنهم عنصر قلق واضطراب لأمن المجتمع مما يقودهم في نهاية المطاف إلى مستنقع الجريمة، كما أن المدمن عندما يصبح عاجزاً عن تأمين المخدر بالطرق المتاحة كثيراً ما يلجأ لإجبار زوجته أو ابنته على البغاء، وهذا يعني أن انتشار المخدرات علامة على الرذيلة بكل أشكالها وصورها. وبالتالي انهيار العلاقات الأسرية والاجتماعية، والعجز على توفير المتطلبات الأساسية للفرد والأسرة ويقع المدمن غالباً تحت تأثير الطلب على المخدرات في جرائم السرقة والترويج والسطو والقتل والقمار والديون. أما الآثار الاقتصادية الناجمة عن المخدرات فهي علاوة على أن المدمن إنسان غير منتج فانه يلحق بمجتمعه خسارة كبيرة في الإنفاق على علاجه من الأمراض التي ينتجها الإدمان، وعلى إنشاء مصحات لعلاج آفة الإدمان بالذات وعلى الأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة المخدرات وملاحقة الاتجار بها وبالمهربين لها ثم إن أسعار المخدرات الباهظة تستنزف الدخل القومي لتجتمع في أيدي ثلة من المجرمين يعملون لحساب جهات إجرامية من المافيا وغيرها، بمعنى أن الإنفاق الحكومي على السجون والمؤسسات والمستشفيات التي ترتبط بمشكلة الإدمان هو دون شك معوق للإنتاج. (الحقيل: 2004م:). ويؤثر تعاطي المخدرات على الاقتصاد بدرجة كبيرة، حيث إن المتعاطي يصرف ما يحصل عليه من دخل لاجل الحصول على المخدرات، وهذه الأموال تهرب إلى الخارج وبالتالي يعوق تقدم الاقتصاد في الدولة... هذا فضلاً عن أن المتعاطي يفقد قوته الجسمية والعقلية من جراء تعاطيه هذه الآفة السامة، فيؤدي ذلك إلى ضعف إنتاجه مما يؤثر على الاقتصاد الوطني. وكما أن المدمن قد يلجأ إلى السرقة والترويج في سبيل الحصول على المخدرات أكثر من اهتمامه بالحصول على احتياجاته الضرورية جداً، وعدم توفيرها قد يؤدي إلى تفكك الأسرة ولجوئها إلى العديد من المؤسسات والجمعيات الخيرية، ومن هنا يتضح أن للمخدرات أثراً اقتصادياً واضحاً على مستوى المجتمع. (جريدة الجزيرة، العدد: 10133). أما الآثار الدينية فمن أضرارها أنها تضعف الإيمان وتورث الخزي والندامة وتذهب الحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان، كما أن المخدرات رجس من عمل الشيطان، وصد عن ذكر الله، وعن الصلاة التي هي عمود الدين وتفتح بالتالي باب الكبائر والفواحش والمعاصي وتصبح سبباً في زوال النعم ونزول العقوبة والنقم. في حين تتجلى الآثار الأمنية في أن انتشار هذه الآفة المدمرة وتفشيها بين أفراد المجتمع في بعض الحالات يؤديان إلى انحراف بعض الموظفين القائمين بالخدمات العامة للعمل في تجارة المخدرات رغبة في الثراء السريع، ومن أجل الحصول على رشاوى لقاء سكوتهم على تمرير هذه المواد الفتاكة، هذا فضلاً عن انتشار الجريمة والقتل والسرقة والدعارة والخطف وغسيل الأموال ونشر المخدرات، ففي دراسة أجراها د.عبدالله غانم، والدراسة عن تعاطي المخدرات في السجون، اثبت أن السجناء القدماء يعتمدون وضع نوع من الأقراص المخدرة (سي60) في الشاي الذي يقدمونه للسجين الجديد، وهذا النوع من الأقراص ليس له طعم ولا لون ولا رائحة، حيث تؤدي هذه الأقراص إلى تخدير السجين الجديد، وينام لمدة 24 ساعة، وفي هذه الغيبوبة الطويلة قد يمارس له زملائه السجناء الشذوذ الجنسي، وقد اتضح 11% من المدمين المبحوثين في الدراسة أنهم بدؤوا في تعاطي الأقراص بهذه الطريقة. (الطخيس: المخدرات، 2004م). *** التوصيات والمقترحات أما الحلول الناجعة التي نقترحها لمعالجة أزمة المخدرات في مجتمعنا الفتي فهي على النحو الآتي: - رسم سياسة اجتماعية متكاملة تكفل معالجة الأسباب المؤدية إلى انتشار آفة المخدرات بالمجتمع السعودية وتبعاتها الخطيرة وآثارها المدمرة. - التنسيق بين السياسة الاجتماعية والسياسة الأمنية والقضائية من قبل السلطة العليا للقضاء على هذه الآفة الوافدة من خلال وضع الخطط العلمية والاستراتيجيات المثمرة بما يضمن ضبط هذا السلوك الدخيل على المجتمع السعودي. - تفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمقروءة والمسموعة لتوعية وتنوير المجتمع بخطورة أزمة المخدرات وآثارها المدمرة صحياً واجتماعياً ونفسياً واقتصادياً ودينياً. - تثقيف وتوعية النشء بأضرار المخدرات كافة وذلك من خلال إدخال موضوعات متفرقة عن المخدرات وآثارها وخطورتها وما تحدثه من سوء توافق نفسي واجتماعي في المناهج الدراسية خصوصاً في مرحلتي المتوسطة والثانوية، إضافة إلى المرحلة الجامعية. - إنشاء مركز متخصص للإدمان على غرار الدول التي سبقتنا في هذا المضمار لوضع السياسات والخطط التي تكفل القضاء على هذه الأزمة والاهتمام بها من كافة النواحي العلاجية والوقائية. - العمل على وضع إستراتيجية لمكافحة الفقر الذي يعد أبو الجرائم وأكثر العوامل المؤثرة في زيادة حجم الظاهرة (المخدرات) وانتشار مستويات الإدمان بالمجتمع. - دعوة الأسر إلى النهوض بواجباتها في إعداد الأبناء ورعايتهم وفق أسس التربية الإسلامية الصحيحة وتأكيد أهمية التعاون بين الأسر والمؤسسات التربوية والتعليمية في تنشئة الأبناء وتربيتهم التربية السليمة. - تأهيل العاملين في مجال التوجيه والإرشاد في المؤسسات التعليمية بما يمكنهم من التعامل مع السلوك السلمي للطلاب بما في ذلك السلوك الإدماني بأساليب عملية تطبيقية مناسبة. - دعوة الجهات الحكومية المعنية إلى توفير وسائل اللهو الايجابية كنوادي الانترنت والرياضة والنشاطات الفنية، بهدف استقطاب اكبر عدد ممكن من الشباب وإشغال وقت فراغهم. - عقد المؤتمرات العلمية والندوات الأمنية وورش العمل التي تتناول هذه الظاهرة الوافدة (المخدرات) بما يسهم في إنقاص حجم هذه الظاهرة الخطيرة وخفض مستويات الإدمان من خلال هذه الندوات العلمية الهامة. - حث الجهات الأمنية على تفعيل دور مكاتب مكافحة المخدرات على المنافذ الحدودية من اجل الحد من دخول المواد المخدرة إلى المملكة. - إنشاء مراكز اجتماعية ونفسية بالأحياء للاستشارات الأسرية مع تدريب العائلة والأصدقاء على الطريقة المثلى للتعامل مع المدمنين على اعتبار أنه مريض وليس مجرماً. - دعوة الشباب والمواطنين للالتزام بالمبادئ الدينية والقيم الإسلامية والعمل بها بما يضمن توافق القول مع العمل، وهذا لاشك يخلق وعياً اجتماعياً يساعد على محاربة المخدرات والعقاقير المدمرة للحياة الانسانية ويحقق تنمية للضمير والرقابة الذاتية. والله الموفق.