سألني يوما والحزن يعلو محياه : هل عانيت من ضائقة مالية يوما ما ؟ وهل احتجت إلى أن تريق ماء وجهك من أجل حفنة من المال تسد به أفواه جياع هي في انتظار قدومك تحمل بين يديك ما تسد رمقهم ؟ فلم أردت أن أجيب عليه قام واقفا وانصرف قبل أن أتفوه بكلمة واحدة ، فأخذت أتبعه بنظري حتى تلاشى عن ناظري . إن ما يحزنني كثيرا في صاحبي السابق بل قل فينا جميعا هو افتقادنا لعنصرين مهمين في أمورنا المالية ، واللذين هما في الحقيقة الجوهرين الأساسين للوصول إلى الأمان المالي . وإن أول هذين الجوهرين جوهر حسن التدبير ، والذي يفتقده أغلبنا إن لم يكن جُّلنا ، فمع وجود التقدم الحضاري والتقني ، والذي يساعد في تطوير وتحسين أساليب المعيشة نجد أن هناك من جعلها سببا في شقائه ودماره المالي . فأصبح اقتنائنا لكل ما هو جديد من باب مجاراة من يعيشون حولنا ، وإرضاء لغرور التملك لدينا ، وليس للحاجة الفعلية أو العملية لاقتناء ما نريد . بل أصبح هوس اقتناء كل ما هو جديد هي الشهوة التي يروج لها التجار من أجل زيادة مكاسبهم ونجاحهم ويزينون لنا من خلال إعلاناتهم أن الحياة لن تطيب لنا إلا بشراء واقتناء هذا الجهاز او تلك السيارة ، وكل ذلك على حساب شقائنا وتعاستنا والتي حصلنا عليها بكل إرادتنا لكن من غير تفكير أو تبصر . ومما يؤسف كذلك أننا لم نتعظ بتبذير ما لدينا بل تجاوزنا كذلك كل إشارات التحذير لنقع في فخ الاقتراض من أجل إرضاء غرور التملك لدينا . أما الجوهر الثاني فهو حسن التوكل على الله مع حسن التدبير ، فهما أمرين متلازمين فلا ينفي حسن التدبير مع التوكل على الله ، ولا يجدي حسن التوكل مع سوء التدبير . ونحن في الغالب نرجح أحد الكفتين على الأخرى ، فإما أن نحسن التدبير لكن بإعتمادنا على خبرتنا وقدراتنا ، فلا نصبر أو نسلم أمرنا لله عند حدوث ما ليس بالحسبان وتضعف النفس حينها . وإما أن ندّعي حسن التوكل على الله ولا نقوم بشيء ينفع وكأنما السماء ستمطر علينا ذهبا ، لذلك لزم الجمع بين الأمرين ، من بذل للأسباب وحسن يقين بأن الله سيرزقنا كما وعدنا . اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمن سواك ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا اللهم آمين . ودمتم في ثراء [email protected]