وصية مؤثّرة في تعبيرها، وفي معانيها، وأهدافها، كتبها الراحل الدكتور محمد عبده يماني، الذي انتقل إلى رحمة مولاه خلال الأسابيع الماضية. وهي وصيته التي أوصى بها أهله وأولاده من بعده، بتاريخ 22 ربيع الأول 1423ه، وتنشرها «المدينة» تعميمًا لفائدتها، وتبيانًا لمراميها، واستفادة لقارئها، وفيما يلي نص الوصية: بسم الله الرحمن الرحيم يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه: محمد عبده يماني -أبو ياسر: هذه وصيتي التي أوصي بها أهلي وأولادي من بعدي. أبدأ وصيتي هذه بالثناء على ربي -عز وجل- فأقول: اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- جاءنا بالبينات من ربنا، فآمنّا به، واتّبعنا النور الذي أُنزل معه، اللهم لك الحمد أنت خلقتني، ورزقتني، ثم تميتني، ثم تحييني، وأنت على كل شيء قدير. اللهم أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنّة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- حق، وأشهد أن عيسى عبدُ الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلاّ أنت، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. توبة واستغفار اللهم إني استغفرك وأتوب إليك، وأؤمن بك وأتوكل عليك، وأثني عليك الخير كله، أشكرك ولا أكفرك، وأخلع وأترك من يفجرك. اللهم إيّاك أعبد، ولك أصلّي وأسجد، أرجو رحمتك، وأخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق. اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة القبر، ومن ضغطة القبر، يا أرحم الراحمين، اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك، اللهم أحيني مسلمًا، وتوفني مسلمًا، وألحقني بالصالحين، اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير أعمالي خواتيهما، وخير أيامي وأسعدها يوم ألقاك يا كريم، واجعلني من أوليائك وأحبابك، أحب فيك مَن أحببت، وأعادي فيك مَن عاديت. اللهم اجعل حبك وحبك نبيك -صلى الله عليه وسلم- أحب إليّ من نفسي ومالي وأهلي، ومن إخواني وعشيرتي، ومن الناس أجمعين، ومن الماء البارد على الظمأ في اليوم الشديد الحر، بفضلك ورحمتك يا حليم.. يا عظيم.. يا كريم، يا حنان.. يا منان، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم زدني ولا تنقصني، وأعطني ولا تحرمني، وأكرمني ولا تهني، وآثرني ولا تُؤثر عليّ، وارضَ عني وأرضني، اللهم زدني رضا منك، وزدني رضا عنك، وارضَ اللهم عني وعن أهلي وأولادي وأحفادي، وسائر إخواني، واحفظهم بحفظك، ولا تفتنهم بعدي، واجمعني وإيّاهم في مستقر رحمتك، ودار كرامتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، يا كريم.. يا حليم.. يا عظيم، يا حيّ.. ويا قيوم: برحمتك استغيث، فلا تكلني إلى نفسي، ولا إلى غيرك طرفة عين، وأصلح لي شأني كله. الثبات عند الموت اللهم إني اسألك أن تثبّتني عند الموت، وأن تهوّن عليّ سكراته، وأن تجعلني من الذين تتنزل عليهم الملائكة بالبشرى (أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)، حتى أحب لقاءك، وتحب لقائي، وأن تجعلني من الذين يقولون عندما أُحْمل: (قدّموني.. قدّموني) لما سأعلم أني صائر إليه من نعيم القبر، وحياة البرزخ، وأن تثبّتني عند السؤال، وأن تُفسح لي في قبري، وأن تنوّره لي، وأن تلقّني حُجتي، وتثبتّني عند السؤال، وأن تُعيذني من عذاب القبر، وأن تبعثني آمنًا يوم القيامة، مع السبعة الذين تظلهم في ظلك يوم لا ظل إلاّ ظلك، وارزقني اللهم شفاعة نبيك، محمد -صلى الله عليه وسلم- وأن تجعلني من الذين يردون عليه الحوض، واسقني ربّي من يده الشريفة شربةً لا أظمأ بعدها أبدًا حتى أدخل الجنة، وثبتّني على الصراط، وأدخلني الجنّة بغير حساب ولا عذاب، ولا سابقة عتاب، يا أرحم الراحمين. أمّا بعد: فهذه وصيتي التي أوصي بها أهلي، وأولادي من بعدي، وأجعلها أمانة في ذمّتهم، وعهدًا عليهم أوصي بها اتّباعًا لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ ووصيته مكتوبة عنده) رواه البخاري. زوجتي الطيبة وأولادي الأعزاء • أبدأ وصيتي هذه أولاً بوصية زوجتي الطيّبة الفاضلة، وأولادي الأعزّاء الذين أدعو لهم بالصلاح والتقوى في حياتي ومماتي: ياسر، وعبدالله، وعبدالعزيز، وفاطمة، وغالية، وسارة، وأولادهم الأحفاد، كما أُوصي بها كل إخواني وأهلي بتقوى الله -عز وجل- وطاعته، فإنها وصية الله تعالى لأنبيائه والصالحين من عباده، ووصيته لخير خلقه، وخاتم أنبيائه -صلى الله عليه وسلم- ووصيته لعباده وأحبابه: (يا أيُّها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون)، ولا يكون ذلك إلاّ بعبادة الله، وطاعته، وطاعة رسوله، واستحلال ما أحل، وتحريم ما حرّم، وبتعظيم، النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوقيره، وإجلاله، وحب الله ورسوله فوق كل محبوب من نفس، وأهل، أو مال، أو ولد، أو عشيرة، فإن للإيمان حلاوة لا يذوقها مؤمن إلاّ بهذا الحب الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث مَن كُنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممّا سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يقذف بالكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار). • ثم أُحذّر أهلي وأولادي من الدنيا، فإنها فانية، عمرها قصير، ونعيمها قليل: (فلا تغرّنكم الحياة الدنيا ولا يغرّنكم بالله الغرور)، واعلموا أننا عمّا قريب صائرون إلى ما صار إليه مَن قبلنا من الموت، ونزول القبر، ومن سؤال القبر، وما يكون بعده من حسن مقيل في البرزخ للصالحين، ومن النعيم الأبدي في جنات الفردوس يوم القيامة لمَن خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، ومن عذاب الجحيم لمَن طغى وآثر الحياة الدنيا. صلة الرحم والتحابب والتعاون • كذلك أُوصي أهلي وأولادي من بعدي بوصل ما أمر الله به أن يوصل، من صلة الرحم، وبخاصة فيما بينهم، وبين أولادهم، وأحفادهم، وبين أعمامهم وعماتهم وأولادهم، وبين أخوالهم وخالاتهم وأولادهم، وتفقد أحوالهم، وزيارة مريضهم، ثم سائر أرحامهم، ومن التحابب، والتناصح، والتزاور، والتعاون على الخير والبر والتقوى، وأن يعلّموا ذلك أولادهم، ويكونوا لهم قدوةً ومثلاً، وأن لا يختلفوا على الدنيا، ولا يتنافسوا عليها، فإنها كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء)، وأذكّرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد بما عند الناس يحبك الناس). الإسلام بإخلاص والعمل لله وحده • وأوصيهم كذلك بأن يكونوا مسلمين حقًّا، بإخلاص العمل لله وحده، وأن يطهّروا أعمالهم من الرياء، وأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا الشهر، ويحجوا البيت، وأن يجتهدوا في النوافل، والتقرّب إلى الله- عز وجل- بالأعمال الصالحات، وأن يعظّموا جوار بيت الله الحرام بزيارته، والصلاة فيه، وبالعمرة بعد العمرة، ما استطعتم ذلك، وبزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة في مسجده، وأن يُكثروا من الصلاة والسلام عليه -اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه كما تحب وترضى- وأن يُكثروا من ذكر الله، ومن الاستغفار، وسائر الأذكار، وأن يعلموا أنهم لم يُخلقوا للهو والعبث، بل لعبادة الله تعالى وطاعته، وأذكّرهم بقول الله -عز وجل-: (وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون) وبقوله -عز وجل-: (يا أيُّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا وسبّحوه بكرة وأصيلاً). حب آل البيت وإكرامهم وقضاء حاجاتهم • وأوصي أهلي وأولادي بحب آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- واحترامهم، وإجلالهم، وإكرامهم، وقضاء حاجاتهم، وطلب دعائهم، كما أوصيهم بأهل بدر، وزيارتهم، وإكرامهم، والسعي في مصالحهم، وبالإحسان إلى فقرائهم، وبالتعرّف على مواقع الغزوة، ومقبرة الشهداء، ومكان العريش، والأماكن التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، فإنها أماكن مباركة ببركة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبركة أهل بدر. • ثم أوصي أهلي وأولادي أن ينفقوا ثلث مالي من العقارات والنقود صدقةً مني على نفسي، ويكون ذلك بإشراف زوجتي، ومعرفتها، وفي ذمّتها وأمانتها، على أن تكون الأولوية للمحتاجين والمستحقين من أرحامي، ثم الأقرب فالأقرب من الأرحام والفقراء والمساكين، وأصحاب الحاجات الذين تصلح لهم الزكاة، وأن لا تعطي غنيًّا سواء من الأقارب أم من غيرهم، ثم أن تهتم بمصلحة بناتي، ورعايتهنّ، وإكرامهنّ، وتعطي غير المتزوجة منهنّ ما تحتاج إليه من غير الوصية، فإنه لا وصية لوارث. فقراء المسلمين وضعفاؤهم • وأوصي أهلي وأولادي بفقراء المسلمين، وضعفائهم، ومرضاهم، وخصوصًا بالأرامل، والأيتام، والعاجزين، وطلاب المعروف، وأذكّرهم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (هل تُنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم) (رواه البخاري). أوكل زوجتي اعترافاً بمكانتها على إنفاذ وصيتي • وفيما يلي بيان بالحقوق التي لي، والحقوق التي عليّ، فأوصيكم بها بتمامها وكمالها، من غير نقصٍ، ولا زيادةٍ إلاّ في خير، وإيّاكم أن تظلموا أحدًا حقه، فأعطوا كل ذي حق حقه، وخذوا حقوقكم، فإن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها. فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، وأوكّل زوجتي أن تكون قيّمةً على إنفاذ وصيتي، اعترافًا بمكانتها وفضلها وحُسن عشرتها، وخدمتها وبرها بوالديّ، وقيامها بخدمتهما ورعايتهما، والإحسان إليهما حتى وفاتهما، وبخاصة والدي، والاهتمام به كلّما مرض، وسهرها على راحته، فجزاها الله عنه وعنّي خيرًا، وعن تربيتها لأولادي وإحسانها إليهم، وأوصي أولادي ببرّها، والإحسان إليها، وإكرامها، وطاعتها، وفيما يلي بيان بالحقوق التي لي والتي عليّ.... • وللبيان وبراءة الذمة حررتُ هذه الوصية، والله أسأل أن يبرئ ذمّتي من حقوق خلقه أجمعين، وأسأله سبحانه أن يسدد زوجتي ويوفقها إلى الحق والصواب، وأن يوفق أولادي ويحفظهم من كل سوء، وأوصيهم جميعًا أن لا ينسوني من بركة دعواتهم، ومن صدقاتهم، وصالح أعمالهم، وأستودع الله دينكم، وأماناتكم، وخواتيم أعمالكم. وأسأله سبحانه أن يجمعني بكم في مستقر رحمته، وفي دار كرامته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين. حُررت في يوم الاثنين: 22 ربيع الأول 1423ه الموافق 3 حزيران 2002ه.