«عادت إيران إمبراطورية كما كانت في السابق، وباتت عاصمتها الحالية هي (بغداد)؛ لأنها مركز الحضارة والثقافة والهوية الإيرانية، ليس هذا وفقط، بل إن كل منطقة الشرق الأوسط مناطق إيرانية، وستدافع إيران عن كل شعوب المنطقة؛ لأنها تعتبرهم جزءًا منها». هذا ليس من تأليفي، بل هو ما صرح به «علي يونسي»، مستشار الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، خلال مداولات منتدى «الهوية الإيرانية»، الذي انعقد في طهران الأسبوع الماضي. ما كدت أكتب مقالاً من جزأين وأنشرهما الأسبوع الفائت حتى فوجئ المتابعون والمهتمون بقضايا منطقتنا العربية الملتهبة، التي لا تحتمل مزيداً من التصعيد، بتصريح مسؤول، وليس عابر سبيل، يكشف ما يدور في الحلقات الضيقة اللصيقة القريبة من مصادر صنع القرار السياسي في طهران، والروحي في قم . أكتب هذا المقال على الرغم مما أشعر به من ملل كما يشعر به غيري - إن لم أقل حنقاً أو زهقاً أو طفشاً - من مناقشة تدخلات إيران في المنطقة؛ لأنها أصبحت مكشوفة من خلال تكوينها هلالاً فارسياً متسربلاً برداء طائفي شيعي خادع، وغدا الهلال الفارسي جبهة عسكرية متكاملة، تمتد من حزب الله ونظام بشار وحكومة العراق المعمدة من طهران والحشد الشعبي المتكون من جبهات وأحزاب شيعية متطرفة، تُدار بقيادات عسكرية إيرانية، من أمثال المجرمين قاسم سليماني وهادي العامري، أو تنساق إلى الرغبات التي مهد لها وشرعنها الصفويون الفرس وأذنابهم من خلال الممارسات الإجرامية التي تمت في عهد العميل الصفوي السابق المالكي، كأمثال وزير الداخلية المجرم السابق صاحب مثقاب عظام المعتقلين السُّنة «باقر صولاغ غلام خسروي»، الذي انتحل اسماً عربياً للتمويه «بيان جبر»؛ ليخفي انتماءه الفارسي. وتوسع الهلال العسكري حتى أوشك أن يصبح دائرة مكتملة الطرفين - مع الأسف - تمتد من البحر الأبيض المتوسط حيث اللاذقية ولبنان إلى العراق، مروراً بالبحرين التي تسعى إيران إلى أن تفعّل تمرد عملائها فيها وتدفعهم إلى إثارة الاضطرابات، وامتداداً إلى اليمن حيث الحديدة التي فتح الحوثيون ميناءها للبواخر الإيرانية، كما فتحوا الفضاء للطائرات الفارسية؛ لتحط في مطار صنعاء محملة بالأسلحة والذخائر أمام الكاميرات، وحيث باب المندب مفتاح البحر الأحمر وإفريقيا. يصرح «يونسي» بدون وجل ولا خجل بأن إيران ستعيد الإمبراطورية الساسانية بالعمل على تهجير السكان العرب من «المدائن»، وإعادة ترميم «إيوان كسرى» رمز الإمبراطورية المنحلة، وتكوين «عراق سومر» بغطاء شيعي، أي إعادة استنبات الحضارة الفارسية السومرية القديمة التي عاشت قبل الميلاد بألفي عام؛ لتكون بوابة غزو المنطقة العربية. وقد بدأت إيران بتنفيذ هذه الخطة، واستغلت الحرب على «داعش» بالقيام بعمليات تطهير عرقي واسعة لعرب السنة، بحرق منازلهم، وعدم السماح بعودة المهجرين منهم إلى مدنهم وقراهم. ومنذ زمن ليس بالقصير بدأت إيران في تكوين دويلة فارسية صغيرة في الجنوب، عاصمتها البصرة، هي نواة دولة سومر الشيعية؛ ففرضت اللغة الفارسية لغة رسمية في الأوراق الرسمية، وعممت التداول بالعملة الإيرانية، وبات زائر البصرة يشعر وكأنه في طهران؛ إذ يستمع إلى اللغة والموسيقى والأغاني الإيرانية، ويتداول الريال الفارسي، ويوقع على أوراق دخول أو خروج باللغة الإيرانية! يقول بكل بجاحة: «إن جغرافية إيرانوالعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافة البلدين غير قابلة للتفكيك، ولذلك فإن العراق جزء من إيران، وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه، فإما أن نتوافق أو نتقاتل». إن إيران الآن بين خيارين: إما التمدد والتوسع كما تفعل، ومعه الدخول في مغامرة الانتحار والفناء، أو العودة إلى بناء الداخل ومعالجة مشاكلها المتفاقمة، كالانقسام الحاد بين الملالي والتنويريين، وانتشار الفقر، والانحلال الأخلاقي، والمخدرات، والبؤس الاجتماعي، والشعور بضرورة الخروج من تأزم تصدير الثورة. الخيار الأخير بالطبع هو خيار العقلاء!