الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أمَّا بعد، فإنه يسرني أن استعرض موضوعًا يتعلق بما كتب عن بنات الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب - رحمه الله. لقد تطرق المؤرخون لأولادِ الشيخ، فذكروا أنَّ له ستةً من الأبناء، هم: حسن، وحسين، وإبراهيم، وعبدالله، وعلي، وعبدالعزيز، والذين أنجب منهم أربعةٌ فقط، وهم حسن، وحسين، وعبدالله، وعلي، وذرية الشيخ الموجدون الآن هم من هؤلاءِ الأبناء الأربعة. ولم يُحصر عدد بناته، وقد تتبَّعت ما ذُكر منهم في عدد من المصادر التاريخية والوثائق، فوقفت على تسع بنات، وهنَّ: (1)- فاطمة: وهي أشهرهنَّ، وقد أفرد لها الشيخُ البسام في تاريخه ترجمةً مستقلة(2)، وقال: (وأمّا بناته فأربع، إحداهنّ فاطمة بنت الشيخ محمد)(3)، وقد رجَّح بعضُ الباحثين أنها ولدت في أواخر القرن الثاني عشر(4)، أو في أوائل القرن الثالث عشر الهجري(5)، أي في أواخرِ حياةِ والدِها شيخ الإسلام محمَّد بن عبدالوهاب، الذي توفي سنة 1206ه فجاءته على كِبَر, فاعتنى بها كإخوتِها وأخواتِها اللاّتي نشأن في بيته, ونهلوا من علمه, حتى صاروا من كبارِ علماء زمانهم. وتذكر المصادر التاريخية أنّ فاطمة - رحمها الله - كانت موصوفةً بالجمال، وأنها كانت جسيمة(6)، ذاتُ عفة وتقوى، ويذكرون في ذلك قصةً، حيث أنَّ أحدَ الرجال سولت له نفسُه استراقَ النظرِ إليها، فتنكر بزي امرأة، فلقَّنته - رحمها الله - درسًا قاسيًا(7)، حيث زجرته، وكادت أن تُوجعه ضربًا(8). ويذكر البسام - رحمه الله - نقلاً عن معالي الشيخ إبراهيم بن محمَّد آل الشيخ وزير العدل الأسبق بأنَّ فاطمة عالمةٌ مطّلعةٌ(9)، كما يذكر في موضع آخر نقلاً عنه عن أبيه سماحة مفتي البلاد السعودية الشيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ أنَّ فاطمة:(كانت تُدرِّسُ في منزلِها العلومَ الشرعية، والسيرة النبوية)(10). وقد أكدّ الشيخُ عبدالله بن إبراهيم بن عبدالعزيز آل الشيخ(11) - رحمه الله - ذلك فقال: (وأمّا فاطمة بنت الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب فكانت عالمة جليلة، قيل أنها كانت تجلس لطلاب العلم وتجعل بينها وبينهم سترةً أثناء التدريس) (12). ولقد شاهَدتْ فاطمةُ - رحمها الله - سقوطَ الدرعية سنة 1233ه، على يد إبراهيم باشا، ورأت ما ارتكبه من جرائم فظيعة, من قتل وتشريد للأهالي, ممّا اضطر عدد منهم إلى الخروج, والبحث عن ملاذ آمن، وكانت فاطمة من بين هؤلاء, حيث خرجت مع ابن أخيها الشيخ القاضي علي بن حسين بن محمَّد بن عبدالوهاب(13) (14) إلى (رأس الخيمة)(15)، إلاّ أنَّ البريطانيين لم يلبثوا حتى هجموا عليها ( )، فذهبت مع ابن أخيها إلى عُمان(17)، ولذا سُميت (صاحبة الهجرتين)(18)، وذلك لخروجها من الدرعية إلى رأس الخيمة في هجرتها الأولى, ثم إلى عُمان في هجرتها الثانية. وحينما استقرت فاطمة في عُمان عملت على نشر العقيدة السلفية بينهم, وتدريسهم التوحيد والحديث والفقه(19). وبعد استقرار الأحوال السياسية في نجد, وقيام الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله - رحمه الله - عام 1240ه, عادت فاطمة إلى الرياض مع ابن أخيها(20). وتذكر بعضُ المصادر التاريخية أنَّ فاطمةً - رحمها الله - عاشت عمرها دون أن تتزوج(21)، رغم أنّه تقدم لها أكثر من خاطب من (آل سعود)، وغيرهم، إلا أنَّ انشغالها بالعلم وتدريسه شغل حياتها(22). كما يذكر المؤرخون شِدَّةَ حِرصِهَا على تحقيقِ التوحيد، فقيل إنَّها في إحدى رحلاتها لأداء فريضة الحج ولمَّا أقبلت على (الزيمه)(23)، طلب سادنُ قبر هناك من قائدِ راحلتها أنْ يقدم هديةً لصاحبِ القبر، بدعوى أنه ولي، فانتهره قائدُ الراحلة، وقال: لا أقدم له إلاَّ التراب، فتكلمت - رحمها الله - وهي في الهودج قائلة: (ولا تقدّم حتى التراب)، ثم استدلت بحديث: (ودخل النارَ رجلٌ في ذباب)(24)(25). وقد تُوفيت فاطمةُ بنت الشيخ محمَّد في الرياض، ودُفنت بمقبرة العود القديمة(26)، وقد أفادني الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد أنه يذكر قبرها، وأنه في الجهة الشمالية الشرقية من المقبرة، بجوار سور ملك آل نصار، وأننا كنَّا نتعجب من طول قبرها(27). (2)- سارة: ذكرها الشيخُ عبدالله البسام في تاريخه، حيث قال: (والثانية اسمها سارة، وعندي غلاف كتاب مكتوبٌ عليه تملّكها لذلك الكتاب بالعبارة التالية: (مالُ(28) سارة بنت الشيخ محمّد)(29). قلت: ولها - رحمها الله - تملكٌ على مخطوطة: (شرح منتهى الإرادات) للفتوحي توجد في مكتبة الرياض السعودية، ونص تملكها: (ملك سارة بنت الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب)؛ والمخطوطة تملكها بعد ذلك الشيخ محمَّد بن عبدالله بن حميد(30) - عفا الله عنه -(31) سنة 1264ه، كما لها تملك على مخطوطة (عمدة الفارض في علم الفرائض) للبهوتي(32). (3)- قويت: وهي والدة أسرة آل طوق أهل الرياض والأحساء، كما أشير إلى ذلك في أحد الوثائق بقلم الشيخ علي بن محمَّد بن عبدالوهاب، تزوجت والد سليمان بن طوق بن سيف(33)(34)، وقد وقفت على هذه الوثيقة(35)، ونصها: (حبس وابَّد سليمان بن سيف هذا الكتاب، وهو الهدي النبوي، وجعل ثوابه لأمِّه قويت بنت الشيخ - رحمهما الله - وعفى عنهما وتقبله الله وأوصل إليها ثوابه مضاعفًا، ولسليمان ولإخوانه وذرياتهم النظر فيه مدة حياتهم إن وجد فيهم طالب علم، فإن عُدم فيهم طالب العلم فقد جعل النظر فيه لأخواله أبناء الشيخ عفا الله عنهم، شهد على ذلك عثمان بن عبدالجبار، وعبدالله بن سليمان بن عبدالوهاب، وعبدالعزيز بن عبدالرحمن، وشهد به وكتبه علي بن الشيخ، وصلى الله عليه وآله وسلم). (4 - 7)- شايعة وهَيَا ولطيفة ومنيرة: قال لطف الله بن أحمد جحَّاف: (أخبرني بعض المكيين المترددين إلى الدرعية في عام حجي أنَّ لمحمَّد بن عبدالوهاب ابنتين إحداهما شايعة - ضد خافية -، والأخرى هَيَا - بهاء مفتوحة فيا تحتانية وألف تأنيث -)، كما قال: (قال المكي: أمّا بناته فخمس، منهن لطيفة ومنيرة، قال: ولا أحفظ أسماء الآخرات)، قلت: ولم أجد من نص على ذلك غير جحَّاف روايةً عن بعض المكيين (36) (37). (8-9)- الجوهرة وموضي: وردتا في شجرة نسب الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمَّد بن عبدالوهاب التي أعدتها دارة الملك عبدالعزيز على كتاب المقنع، والذي قام الشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب - رحمه الله - بنسخه(38). وواحدة من بنات الشيخ - رحمه الله - هي والدة الأميرين عمر وعبدالرحمن أبناء الإمام عبدالعزيز بن محمَّد بن سعود، والذي نصَّ لطف الله جحاف في تاريخه أنَّ اثنين من أبنائه أمهما إحدى بنات الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب(39). هذا ما حصل الوقوف عليه من بنات الشيخ حتى كتابة هذه النبذة، والله أسأل أن يبارك في ذريته، وأن يجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ** ** ** 1- نواة هذا المقال هو ما نشرته في مجلة (الصلة) لأسرة آل الشيخ، التي صدرت في غرة شوال سنة 1435ه، وقد تم الزيادة عليه بزيادات مهمة. 2- انظر: علماء نجد في ثمانية قرون، عبدالله بن عبدالرحمن البسام، الطبعة الثانية، 1419ه، دار العاصمة، 5/364. 3- المصدر السابق، 5/364. 4- انظر: علماء نجد في ثمانية قرون، عبدالله ، مصدر سابق، 5/364. 5-انظر: كلام العلامة حمد الجاسر، مجلة العرب السنة 15، ج 3، 4، ص: 286. 6- إفادة شفهية من الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد، يوم الأربعاء 6-8-1435ه، بمدينة الرياض. 7- انظر: مجلة العرب السنة 15، ج 3، 4، ص: 285 . 8- إفادة شفهية من الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد، يوم الأربعاء 6-8-1435ه، بمدينة الرياض. 9- علماء نجد في ثمانية قرون، مصدر سابق، 1/155. 10- المصدر السابق، 5/365، قلت: والشيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - راوية لأخبار، لا تجدها عند غيره، ومن ذلك أني سمعت من أحد الثقات نقلاً عن سماحته أنّ الأمير محمَّد بن الإمام فيصل كان له عناية بالعلم، وأنّه كان يُقرأ عليه صحيح البخاري، وأنه كفّ بآخر عمره، ومن ذلك أيضًا نقله لأخبار عن جده العلامة الشيخ عبداللطيف، وعن والد جده العلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن، وغيرهم - رحم الله الجميع. 11- مؤلف (البيان الواضح لأسرة شيخ الإسلام محمَّد بن عبدالوهاب). 12- البيان الواضح لأسرة شيخ الإسلام محمَّد بن عبدالوهاب - رحمه الله - حتى سنة 1393ه، دار بوسلامة، تونس، ص:6.؛ قلت: وقد نص الشيخ حمد الجاسر على أن ذلك كان في عمان أثناء تغربها عن وطنها. 13- قاضي الدرعية (انظر عنوان المجد، مصدر سابق، 1/177). 14- انظر: مجلة العرب السنة 15، ج 3، 4، ص: 285، وانظر: عنوان المجد في تأريخ نجد، عثمان بن بشر، مكتبة الرياض، الطبعة بدون تأريخ، 1/215، وانظر: عقود الجمان في أيام آل سعود في عمان، عبدالله بن صالح المطوع، الطبعة الأولى، 1417ه، ص:117، قلت: وذكر بعض الباحثين أنَّ خروجها من الدرعية كان خفية، حيث خرجت من الدرعية محمولة على نعش تخفيًا من جنود إبراهيم باشا. 15- ذكر ابن بشر أنّ هجرتها إلى قطر وإلى عمان. 16- انظر: عنوان المجد، مصدر سابق، 1/ 225. 17- قلت: والمقصود بعمان هنا هو البريمي وساحل (ابو ظبي). 18- انظر: البيان الواضح ، مصدر سابق، ص:6. 19- انظر: مجلة العرب السنة 15، ج 3، 4، ص: 285، وانظر: البيان الواضح، مصدر سابق، ص:6. 20- انظر: مجلة العرب السنة 15، ج 3، 4، ص: 286. 21- انظر: مجلة العرب السنة 15، ج 3، 4، ص: 285. 22- إفادة شفهية من الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد، يوم الأربعاء 6-8-1435ه، بمدينة الرياض. 23- تقع (الزيمه) في الشمال الشرقي من مكةالمكرمة على بعد (40) كم تقريباً، وعلى طريق قوافل الحجيج. 24- عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَاب قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: «دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ فِي ذُبَاب، وَدَخَلَ رَجُلٌ النَّارَ فِي ذُبَاب»، قَالُوا: وَمَا الذُّبَابُ؟، فَرَأَى ذُبَابًا عَلَى ثَوْبِ إِنْسَان، فَقَالَ: «هَذَا الذُّبَابُ»، قَالُوا: وَكَيْفَ ذَاكَ؟، قَالَ: «مَرَّ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ عَلَى قَوْم يَعْكِفُونَ عَلَى صَنَم لَهُمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: قَرِّبَا لِصَنَمِنَا قُرْبَانًا قَالَا: لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، قَالُوا: قَرِّبَا مَا شِئْتُمَا وَلَوْ ذُبَابًا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا تَرَى؟، قَالَ أَحَدُهُمَا: لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، فَقُتِلَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ الْآخَرُ: بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَأَخَذَ ذُبَابًا فَأَلْقَاهُ عَلَى الصَّنَمِ فَدَخَلَ النَّارَ»؛ والأثر بأسانيده مجتمعة صحيحٌ، موقوفٌ على سلمان الفارسي، وقد أورده والدها شيخ الإسلام محمَّد بن عبدالوهاب في كتاب (التوحيد). 25- انظر: مجلة العرب السنة 15، ج 3، 4، ص: 286. وقد أورد البسام القصة لكن بصيغة مختلفة، إذ ذكر أنها وقعت أثناء ذهابها إلى عمان؛ قلت: والقصة وقعت - على الأرجح - في بداية الأربعينيات من القرن الثالث عشر، بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، وذهاب سلطة آل سعود عن الأماكن المقدسة - آنذاك. 26- انظر: البيان الواضح، مصدر سابق، ص:6، انظر: مجلة العرب السنة 15، ج 3، 4، ص: 285، وأفادني الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد أنَّ أول من دفن في هذه المقبرة هو الإمام فيصل بن تركي - رحمه الله - حيث إنَّ قبر والده الإمام تركي في المقبرة الأخرى التي بجوار شارع (الوزير) (إفادة شفهية من الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد، يوم الأربعاء 6-8-1435ه، بمدينة الرياض). 27- إفادة شفهية من الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد، يوم الأربعاء 6-8-1435ه، بمدينة الرياض. 28- حقٌ أو ملك. 29- علماء نجد في ثمانية قرون، مصدر سابق، 1/155. 30- صاحب كتاب: (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة). 31- انظر الفهرس المصور لمخطوطات ومصورات مكتبة الرياض السعودية العامة، عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل الشيخ، الطبعة الأولى سنة 1435ه، 2/470. 32- دارة الملك عبدالعزيز، مجموعة الخيال، رقم: 869. 33- لعله قائد الجيش السعودي الذي أرسله الإمام عبدالعزيز بن محمَّد بن سعود مددًا لآل خليفة لإبعاد القوات العمانية من البحرين. 34- انظر: جريدة الرياض، العدد (13967) 7 رمضان 1427ه، وجاء في الجريدة (ولسليمان هذا ابنة اسمها فاطمة سميت على خالتها فاطمة بنت الشيخ محمَّد)، قلت: بل فاطمة بنت الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب هي خالة والدها سليمان بن سيف. 35- وأصلها في مكتبة العم الشيخ محمَّد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ - متع الله بحياته - ونشرتها دارة الملك عبدالعزيز في كتاب (نوادر المخطوطات السعودية)، إعداد: أيمن بن عبدالرحمن الحنيحن، وسعد بن محمد آل عبداللطيف، 1432ه، ص: 493. 36- انظر: درر نحور الحور العين بسيرة الإمام المنصور علي وأعلام دولته الميامين، لطف الله بن أحمد جحاف، تحقيق إبراهيم بن أحمد المقحفي، الطبعة الأولى، مكتبة الإرشاد، 1425ه، ص:548 - 549. 37- وممَّا يجدر ذكره أنَّ للشيخ محمَّد بن عبدالوهاب عمَّة اسمها قوت، وأخرى أسمها فاطمة. انظر: تحقيق ودراسة لوثيقة إجارة وقف بأشيقر سنة 1123ه. مجلة الدارة - ع3 - س38 - رجب 1433ه، ص96 و ص 97. 38- المقنع، موفق الدين ابن قدامة، دراسة أيمن بن عبدالرحمن الحنيحن، وسعد بن محمَّد آل عبداللطيف، دارة الملك عبدالعزيز، 1431ه، ص: 66. 39- انظر: درر نحور الحور العين بسيرة الإمام المنصور علي وأعلام دولته الميامين، مصدر سابق، ص: 549.