رابعاً: رحلة الشيخ محمد بن طراد الدوسري في طلب العلم: رحل الشيخ محمد بن طراد الدوسري إلى دمشق (عام 1177ه) فقرأ على علمائها ومن ابرزهم الشيخ محمد السفاريني والشيخ الكهمري البصري حتى ادرك، وصنف رحلة ذكر فيها رحلته إلى البلاد الشامية، وبعد عودته اصبح معتمداً في بلدته حوطة سدير في الافتاء والتدريس وتتلمذ على يديه عدد من طلاب العلم من أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب على الرغم من انه لم يتلق العلم في الدرعية واستمر على ذلك حتى توفي رحمه الله عام 1225ه (البسام، علماء نجد، 1398ه ج1، ص 810- 811). خامساً: - علمه وتخصصه: كان أغلب علماء نجد في زمن الشيخ محمد بن طراد الدوسري يركزون على قضايا العقيدة والتوحيد كانعكاس لطبيعة تلك المرحلة الزمنية التي كانت متأثرة بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله- وكان الشيخ محمد بن طراد الدوسري عالماً في مجالات عدة كالعقيدة والتفسير والحديث والنحو والتاريخ وغيرها من العلوم ولكنه اضافة إلى تفوقه في هذه المجالات كان بارزاً لا يشق له غبار في مجال الفقه حيث تلقاه عن شيخه العلامة السفاريني بالسند المعروف للفقه الحنبلي، ويذكر الأستاذ الباحث راشد بن محمد بن عساكر ان تهميشات طلاب الشيخ محمد بن طراد الدوسري على بعض الكتب الفقهية وهي من املاء الشيخ بن طراد- رحمه الله - كانت تتميز بالقوة والجزالة. سادساً: نماذج من فتاواه: ورد في وثيقة اطلع عليها الدكتور عبدالله التركي (التركي منطقة سدير 1425ه ص 261) لدى احد العلماء في عنيزة سؤال موجه للشيخ محمد بن طراد نصه: "ما قولكم في امرأة بلغت تسع سنين ثم طرقها الدم فجلست في أول شهر وليلة واغتسلة (هكذا وردت) واستمر الدم عشرة أيام ثم انقطع فاغتسلت (هكذا) وفي الشهر الثاني كذلك وفي الشهر الثالث خمسة أيام فما تجلس في الشهر الرابع والحالة هذه أفيدوا (؟)" وقد أجاب الشيخ محمد بن طراد على السؤال بما يلي: "الجواب ولكم الثواب، الحمد لله وحده. نعم حيث تكررت الخمسة أيام فإنها تجلسها في الشهر الرابع فقط والحالة هذه والله أعلم بالصواب، قاله وكتبه الفقير محمد بن الحاج عبدالله بن طراد النجدي الحنبلي عفي عنه"، وكتب في الهامش: "هذا الجواب للشيخ محمد بن عبدالله بن طراد من أهل حوطة سدير". سابعاً: - مشائخه: من أبرز مشائخ الشيخ محمد بن طراد الدوسري: 1- العلامة الشيخ محمد السفاريني النابلسي خذ عنه في دمشق. 2- الشيخ الكهمري البصري. ثامناً: تلاميذه: درس على يد الشيخ محمد بن طراد الدوسري كثير من طلبة العلم: ومن أبرزهم: 1- الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين ( 1194- 1282ه) درس عليه في الحوطة. وقد قرأ الشيخ ابابطين على الشيخ محمد بن طراد الدوسري ولازمه ملازمة تامة مع ما وهبه الله من الذكاء وسرعة الفهم وقوة الذاكرة فمهر في الفقه (الحنبلي الذي اخذه عن شيخه محمد بن طراد الدوسري بالسند(1) المعروف عن العلامة السفاريني) (البسام، علماء، نجد 1398ه ج1، ص 811). وقد برز الشيخ عبدالله في مجاله فولاه الامام عبدالله بن سعود القضاء على عمان ثم لما جاء عهد الدولة السعودية الثانية أصبح مفتي الديار النجدية حيث ولاه الامام تركي بن عبدالله قضاء الوشم ومقره في عاصمتها شقراء ثم ضم اليه سدير بعد وفاة قاضيها الشيخ عبدالله بن سليمان بن عبيد، وفي عام 1248ه نقله الامام تركي إلى قضاء القصيم وصار مقره في عنيزة، وبعد وفاة الامام تركي عاد إلى شقراء وجلس فيها للتدريس والتعليم الافتاء حتى وفاته في اليوم السابع من جمادى الاولى عام 1282ه (البسام 1398ه) 811). 2- الشيخ حمد بن نصرالله بن فوزان بن نصر الله بن مشعاب من المشاعيب من بني ثور من بني تميم نسباً والسبيعي حلفاً. وانتقل إلى أشيقر لطلب العلم (المهيدب، الأسر العلمية في حوطة سدير 1426ه ص 4). 3- عثمان بن منيف من آل بسام بن عساكر الوهبي الحنظلي التميمي ولد في حوطة سدير في اواخر القرن الثاني عشر الهجري، تولى امامة مسجد آل سلطان سنوات عديدة وكان من كتاب الوثائق لاهالي البلد وما جاورها من البلدان. وقد توفي فترة الامام تركي بن عبدالله آل سعود - رحمه الله - مؤسس الدولة السعودية الثانية ولم يكن له عقب (المهيدب، الأسرة العلمية في حوطة سدير، 1427ه ص 3). تاسعا: تأييد الشيخ محمد بن طراد وأسرته لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومناصرتهم للدولة السعودية الاولى: حينما تمكنت الدولة السعودية الاولى من توطيد أركانها وتعزيز قوتها بدأت بدعوة البلدان لتأييدها ثم اخذت ترسل الحملات لكسب تأييد المناطق والبلدان وضمها تحت لوائها، وقد استغرقت الجهود التي بذلتها الدولة السعودية في سبيل ضم منطقة سدير قرابة ثمانية عشر عاماً في عهدي الامامين محمد بن سعود وابنه عبدالعزيز منذ عام 1170ه إلى 1188ه (التركي، منطقة سدير، ص 190). وفي عام 1171ه ونتيجة، فيما يبدو، لرسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب لأهالي الحوطة والجنوبية (من بلدان سدير) بعث أهالي البلدتين (ومن ضمنهم الشيخ محمد بن طراد وأسرته آل سيف) برسالتين إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب والامام محمد بن سعود يؤكدون فيهما على تأييدهم للدعوة ويبدون فيهما رغبتهم بالانضمام إلى الدولة السعودية (ابن غنام، روضة، ج1، ص 108؛ ابن بشر، عنوان المجد، ج2، ص76). وقد بدأ الشيخ محمد بن طراد الدوسري بالبروز على مسرح الاحداث في السنوات التي تلت هذه الحادثة وخصوصاً بعد عودته من رحلته العلمية للشام حيث اصبح معتمداً في بلدته حوطة سدير في الافتاء والتدريس. وكما هو حال العديد من الاسر الاخرى التي ايدت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدولة السعودية، فقد عانت اسرة الشيخ محمد بن طراد آل سيف من هذا الموقف الشجاع الذي وقفته في تأييدها لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وللدولة السعودية فيما جرى من احداث بعد ذلك. وهذا ما سيتم تناوله في الجزء الذي يأتي. عاشراً - اثر سقوط الدولة السعودية على منطقة نجد: في عام 1233ه حينما سقطت الدرعية على يد إبراهيم باشا عاش الناس في خوف وفتن لا يعلم بشدتها إلا الله، وقد ذكر ابن بشر ان تلك السنة: "كثر فيها الاختلاف والاضطراب ونهب الاموال، وقتل الرجال وتقدم اناس وتأخر آخرون، وذلك بحكمة الله سبحانه وتعالى". (بن بشر، عنوان المجد، ج1، ص425) ووصف الشيخ بن عيسى هذه السنة 1233ه بأنها كانت "كثيرة الاضطراب من نهب الاموال، وسفك الدماء، وقد ارخها محمد بن عمر الفاخري من المشارفة من الوهبة، وهو ساكن بلد حرمة فقال: عام به الناس جالوا حسبما جالوا ونال منا الاعادي فيه ما نالوا قال الإخلاء: ارخه، فقلت لهم ارخت، قالوا: بماذا؟ قلت "غربال" وقد كانت لهذه الهجمة البربرية آثارها السيئة على نجد واهلها فهدمت اسوار البلدان وعاش الناس في رعب وكثر القيل والقال والسبابات عند إبراهيم باشا بين اهل نجد بعضهم في بعض، ولم يسلم من ذلك العلماء واعيان الاسر. وممن رمي عنده الشيخ سليمان آل عبدالله آل الشيخ فأمر الباشا بقتله وقتل ايضاً الشيخ علي بن حمد بن راشد العريني قاضي الخرج، والشيخ رشيد السردي قاض حوطة بني تميم، والشيخ عبدالله بن محمد بن سويلم، والشيخ عبدالله بن حمد بن كثير وغيرهم كثير رحمهم الله تعالى. وقتل ايضاً عدة رجال من اعيان اهل نجد (بن بشر، عنوان المجد، ج1، ص425). وامتدت الآثار السيئة لهذه الحملة العسكرية لتشمل القضاء على كثير من الانجازات العلمية التي حفلت بها الفترة السابقة وتدمير ما كان موجوداً من خزانات الكتب، وانتقال نسخ كثيرة من المخطوطات الى خارج نجد، أو فقدانها، أو تلفها (العنقري، مآل المخطوطات، 1427ه). وقد وصف احد ادباء سدير حال اهل نجد في تلك الفترة في قصيدة منها: غدا الناس اثلاثا: فثلث شريدة يلاوي صليب البين عار وجائع وثلث الى بطن الثرى دفن ميتاً وثلث الى الارياف جال وناجع وممن طالته آثار هذه الهجمة اسرة الشيخ بن طراد آل سيف الدين لم يبق منهم في ذلك الوقت سوى ابن اخ الشيخ محمد بن طراد الدوسري عبدالله بن سعيد الودعاني الدوسري الجد الجامع لآل سعيد اهل حوطة سدير الذي جلى عن بلده حوطة سدير واخفى هويته خوفاً من عساكر الترك الذين كانوا يلاحقون اسر العلماء الذين كانوا يؤيدون الدولة السعودية ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعاد بعد ان هدأت الامور وعادت الدولة السعودية الثانية (على يد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) فوجد املاك اسرته وعقاراتهم وكثير من وثائقهم قد نهبت فطالب بها فأعاد له البعض بعضاً من هذه الاملاك وانكره آخرون مما جعله يستعين ببعض من لهم علاقة به وبأسرته ويعرفونهم من الاسر ومنهم آل حماد العشري وآل مهيدب الذين ساندوه حتى استرجع بعضاً من هذه الاملاك (رواية عن كبار الاسرة واكدها مراراً الشيخ حمد بن حماد العشري رحمه الله). وهذا يفسر ضياع الكثير من مآثر هذه الاسر وخصوصاً عالمها الجهبذ الشيخ محمد بن طراد الدوسري ومؤلفاته ومصنفاته. وقد استمرت هذه المطالبات في عهد ابني عبدالله بن سعيد الودعاني الدوسري سعيد وعبدالعزيز واحفاده خصوصاً حفيده عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عبدالله بن سعيد الودعاني الدوسري حيث يذكر كبار الاسرة انه استعان بالشيخ بن حميد الذي تولى القضاء في سدير خلال النصف الاول من القرن الرابع عشر وكذلك الشيخ صالح بن غصون الذي تولى القضاء في حوطة سدير عام 1368ه ولذلك يظهر ختم الشيخ بن غصون وتجديده على بعض الوثائق التي تتوافر الآن لدى اسرة آل سعيد. حادي عشر - وفاته: توفي الشيخ محمد بن عبدالله بن حمد بن طراد الدوسري في بلدة حوطة سدير عام 1225ه رحمه الله تعالى (البسام، علماء نجد، 1398ه، ج1، ص811). الهوامش 1- يورد رياض السعيد في معرض ذكر هذا السند الفقهي أن الشيخ عبدالله أبابطين: "تفقه بالشيخ محمد بن طراد الدوسري، وهو تفقه بالشيخ محمد بن أحمد السفاريني، وهو تفقه بأبي التقى عبدالقادر التغلبي شارح الدليل، وهو تفقه بالشيخ عبدالرحمن البهوتي، وهو تفقه بشيخ الإملام تقي الدين الفتوحي صاحب المنتهى، وهو تفقه بوالده القاضي شهاب الدين احمد بن عبدالعزيز بن النجار الفتوح القاهري، وهو تفقه بالقاضي شهاب الدين ابي حامد احمد بن نور الدين ابي الحسن علي بن احمد الشيشني الأصل القاهري الميداني، وهو تفقه بالقاضي عز الدين أبي البركات احمد بن القاضي برهان الدين ابراهيم بن القاضي ناصر الدين بن نصر الله الكتاني، وهو تفقه بجمال الدين عبدالله بن القاضي علاء الدين بن علي الكتاني، وهو تفقه بعلاء الدين أبي الحسن علي بن احمد بن محمد الفرضي الدمشقي، وهو تفقه بالفخر ابي الحسن علي بن احمد المعروف بابن البخاري، وهو تفقه بأبي علي حنبل بن عبدالله بن الفرج الرصافي، وهو تفقه بأبي القاسم هبة الله بن محمد بن عبدالواحد الحصين، وهو تفقه بأبي علي الحسين بن علي التميمي الواعظ، وهو تفقه بأبي بكر احمد بن جعفر القطيعي، وهو تفقه بأبي عبدالرحمن عبدالله بن الإمام احمد بن حنبل، وهو تفقه بوالده إمام المسلمين احمد بن محمد بن حنبل الشيباني، وهو تفقه بيحيى بن سعيد، وهو تفقه بعبيد الله، وهو تفقه بنافع، وهو تفقه بمولاه عبدالله ابن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو تفقه بسيد ولد آدم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم (السعيد، 1428ه، الإنترنت). المراجع 1- البسام، أحمد بن عبدالعزيز، تاريخ بن عيس 850- 1340ه: دراسة وتحقيق، غير منشور، بدون تاريخ. 2- البسام، عبدالله بن عبدالرحمن، علماء نجد خلال ستة قرون، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، ط1، 1398ه.. 3- البسيمي، عبدالله بن بسام، من علماء نجد في القرن الثالث عشر الهجري العلامة والفقيه النسابة الشيخ محمد بن عبدالله بن مانع، جريدة الجزيرة، وراق الجزيرة، العدد 12183، في 6محرم 1427ه.. 4- ابن بشر، عثمان بن عبدالله، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق وتعليق عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، دارة الملك عبدالعزيز، ط 1402.4ه - 1982م. 5- ابن حميد، محمد بن عبدالله، السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، تحقيق الشيخ حمد الجاسر، مجلة العرب جزء 9و10، الربيعان 1398ه.. 6- ابن غنام، حسين، تاريخ نجد المسمى روضة الافكار والافهام لمرتادي حال الامام وتعداد غزوات ذوي الإسلام، مطابع شركة الصفحات الذهبية، ط 3، 1403ه.. 7- الجاسر، حمد، جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد، 1409ه.. 8- الحقيل، حمد بن ابراهيم، كنز الأنساب ومجمع الآداب، ط 10، ص 9.264- الزبيدي، ماجد بن ناصر، موسوعة أنساب قبائل الجزيرة العربية، دار الرافدين. 10- السعيد، رياض، ترجمة الشيخ الزاهد محمد بن أحمد بن سعيد، ملتقى أهل الحديث، الانترنت: 11- الشريفي، ابراهيم بن جارالله، الموسوعة الذهبية في أنساب قبائل وأسر شبه الجزيرة العربية، 1419ه - 1998م. 12- آل الشيخ، ابراهيم بن حمد، أخطاء شائعة في الأسر، منتدى الدواسر الرسمي، الانترنت: 13- العنقري، حمد بن عبدالله، مآل المخطوطات النجدية بعد سقوط الدرعية، مجلة دارة الملك عبدالعزيز، العدد الثاني، س32، 1427ه. 14- عيسى، ابراهيم بن صالح، تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ووفيات بعض الأعيان وأنسابهم وبناء بعض البلدان، بدون طبعة، دار اليمامة، الرياض، بدون تاريخ. 15- المعجل، عبدالله بن عبدالكريم، حوطة سدير، سلسلة هذه بلادنا، الرئاسة العامة لرعاية الشباب. 16- المهيدب، علي بن سليمان، الأسر العلمية في حوطة سدير، صحيفة الجزيرة، وراق الجزيرة، الجزء الأول، العدد (12148)، بتاريخ 1ذو الحجة 1426ه.. 17- المهيدب، علي بن سليمان، الأسر العلمية في حوطة سدير، صحيفة الجزيرة، وراق الجزيرة، الجزء الثاني، العدد (12204) بتاريخ 27محرم 1427ه.. ويمكن الاطلاع عليها في الانترنت: