منذ تأسيسها تجمعت لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) حصيلة استكشافات أولية يتابعها المواطن في وسائل الإعلام. الحصيلة تعتبر حتى الآن أولية لأنها تدور حول حمى الفساد الأكبر ولا تغوص فيه. الهيئة، حتى الآن تتناوش من الأطراف، وهي قد تكون (مؤقتا) معذورة لأن عظامها ما زالت هشة وعضلاتها نحيلة. العظام هي الهيكل الذي يحتاجه الكائن لكي يقف ويتحرك، وفي حالة نزاهة هي هيكلها التنظيمي، بعدد موظفيه المكتبيين والميدانيين، المعروفين الواضحين والمتنكرين المجهولين. استكشاف أدغال الفساد لا يمكن أن يتم في العلن، ولا بد من التنكر والانتحال للوصول إلى أبعاد أعمق. يضاف إلى البنية الوظيفية الهيكلية (الطواقم) مقدار كفاءتها العملية والأخلاقية، وهذه المهمة متروكة لتقدير رئيس الهيئة الذي لا يشك أحد في نزاهته وقدرته على حسن التصنيف والاختيار. العضلات التي تحتاجها هيئة نزاهة هي القدرة اللا محدودة على سحب الفاسد الثابت فساده بالأرقام والتواريخ، إلى الشرع، أي جره من عنقه المكتنز بشحم الفساد إلى القضاء الشرعي، بشرط أن تكون محاكمته علنية يشاهدها المواطن لتطفئ شيئا من حرارة قلبه وكبده. منذ تسلمها المهمة أطلعتنا هيئة نزاهة على بعض ممارسات الفساد الطرفية، والمواطن يرجو أن يكون ذلك أول الغيث الذي يتبعه السيل الكبير. أنواع الفساد الطرفي يراها المواطن كل يوم، يراها عند مراجعته للدوائر الحكومية، وعندما تزيد الأمطار الموسمية قليلا عن المعتاد، وعندما يتورط في مسألة حقوقية مع شخص كبير، ويراها عندما يعطى موعداً للحصول على سرير المستشفى بعد نصف سنة إلا بواسطة، ويراها بوضوح أكبر عندما يشاهد آلاف الكيلومترات المسورة والمسيجة وهو يعرف أنه سوف يموت على الأرجح قبل أن يمتلك قطعة صغيرة من وطنه ليظلل فيها على أولاده ويربيهم داخلها على الستر بعيداً عن أنياب ذئاب العقار. أعماق الفساد في دول العالم المحكوم بالبيروقراطية الفاسدة المتوحشة أعماق رهيبة، يتهيب الأشخاص والمجموعات الصغيرة التطوعية من الاقتراب منها. الاقتراب من الأعماق غير ممكن إلا بتخويل رسمي من القيادة العليا، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لديها هذا التخويل من قائد مصلح، والمتوقع منها أن تمرن عظامها وعضلاتها لتخطي الأطراف والنفاذ إلى المطابخ الداخلية للفساد المالي والإداري. من يتابع تعليقات المواطنين على أخبار هيئة نزاهة عن اكتشافاتها المعلنة، سواء تلك التعليقات في شبكات التواصل الإلكتروني أو البرامج الفضائية والإذاعية، أو في الصحف الورقية، أو تلك التعليقات التي تدور في المجالس اليومية، المتابع لهذه التعليقات سوف يلاحظ أن السؤال المتكرر فيها هو: ثم ماذا؟. متى وكيف يتم أخذ حقنا من هؤلاء الفاسدين؟. المواطن يسأل ببساطته الفطرية المتواضعة عن الخطوة التالية، أي عن الموقف الشرعي الجزائي، وهل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تبدأ مهمتها وتنتهي عند الإعلان عما يتم اكتشافه والتحقق منه، ثم تنتقل إلى اكتشاف آخر؟ من المحتمل بل من المتوقع أن تتبع اكتشافات نزاهة خطوات قضائية حقوقية وجزائية يوما ما، لكن التأخير، مقصود أو غير مقصود، أو تنظيمياً إجرائياً لم تكتمل استعداداته، هذا التأخير سوف يفقد هيئة مكافحة الفساد الكثير من مصداقيتها ويجعل الناس ينصرفون عن التواصل معها، لأنها في نظرهم أصبحت مجرد مؤسسة إدارية بيروقراطية أخرى. أعود إذن إلى عنوان المقالة: غسيل الفساد القذر الذي تنشره هيئة نزاهة.. متى يتم تنظيفه؟ - فيينا