خيراً فعل المحامي السعودي «عبدالرحمن اللاحم» عندما تقدم بدعوى قضائية ضد شخص وصفه بأنه «محامي الزنادقة» في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، فالصمت على مثل هذه التجاوزات التي يقف خلفها «التطرف» هو ما أسهم في تزايدها في شكل ملحوظ محلياً في عصر الانفجار المعلوماتي الذي نعيشه. القضية بحسب اللاحم أخذت مسارها، ويُحاكم حالياً المتهم، وهو عضو في رابطة إسلامية، وفق نظام الجرائم المعلوماتية الذي ينص على عقوبتي السجن والغرامة في حق من يُدان بمثل هذه الجريمة، أي أن تفعيل القانون قادر على تقليم أظافر التطرف، لكن الإشكالية التي يعرفها كثير من القانونيين في السعودية أن معظم من يتعرضون لإساءات من النوع نفسه عبر وسائط المعلومات لا يتقدمون بشكاوى ضد المتعدين لأسباب مختلفة، منها الجهل بوجود قوانين تنصفهم وترد اعتبارهم، وأيضاً الجهل بآلية رفع الدعاوى القضائية ضد المتجاوزين، إضافة إلى قناعة البعض بصعوبة مقاضاة المتجاوزين، نظراً لطول فترة التقاضي وتداخل الإجراءات، أو كون المتجاوز مجهولاً بالنسبة إليهم، وهو الأمر الذي يستدعي التوعية بآليات التقاضي والإجراءات المصاحبة لها من طريق تعميم الجهات المختصة لائحة تفسيرية مطولة لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية. التوعية بماهية الجرائم المعلوماتية وعقوباتها لا تتوقف عند طمأنة الناس بأن كرامتهم وحقوقهم محفوظة بالقانون، بل هي وسيلة فاعلة لإنقاذ كثير من الشبان المراهقين من الوقوع في جرائم لا يدركون خطورتها، فالشاب المراهق الذي يسجل في «فيسبوك» أو «تويتر»، ويشاهد متطرفاً يصف شخصاً آخر بأنه زنديق أو كافر أو غير ذلك، وهو ما يمس الشرف أو الأمانة، ربما تحمس وردد الوصف نفسه باعتباره أمراً عادياً ورأياً عابراً، ثم يكتشف أنه تورط في قضية أكبر مما تصور، وتصل عقوبة السجن فيها إلى 5 أعوام، أي ما يوازي ثلث عمره الحالي تقريباً، ومثل هذا الأمر كارثة بالنسبة إلى مستقبل الشاب، لكنه القانون الذي يجب أن يطبق، ما يضعنا أمام مأزق حقيقي، فالجهات المختصة تتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه توعية هذا الشاب المراهق بما ينص عليه القانون وما هو مجرّم من ألفاظ وممارسات بموجبه، وكذلك تتحمل وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة تجاه التوعية العامة، لكن ذلك يجب أن يكون بدعم الجهات المختصة من طريق تنفيذ حملات توعوية عبر وسائل الإعلام والجهات التربوية من مدارس وجامعات وغيرها. قوة أي قانون جزائي في هذا العالم تنبع من قدرته على الردع، وإذا كان هذا القانون مجهولاً بالنسبة إلى الغالبية من يُحتمل أن يقعوا في مخالفته، فإنه لن يسهم في الردع ولا تخفيف نسبة الجرائم التي يُعنى بها، بل سيسهم في تكدس المخالفين في السجون لتصرف عليهم الدولة من خزينتها، بجانب ما يشكله ذلك من أضرار اجتماعية لأسرهم ومستقبلهم، ولعلنا لم نصل إلى هذه المرحلة حالياً، بسبب ما أشرت إليه في بداية المقالة من جهل كثير من ضحايا الجرائم الإلكترونية بآليات التقاضي، وربما القانون بمجمله وهو ما يعني أن أمام الجهات المختصة مهمتين أساسيتين أولاهما التوعية بالقانون، وثانيهما توضيح وتسهيل إجراءات التقاضي، والأولوية للمهمة الأولى بكل تأكيد. [email protected] @Hani_Dh