تمكن عبد الرحمن بلعياط، منسق حزب الغالبية «جبهة التحرير الوطني»، من حصد غالبية بسيطة في صراعه الداخلي الذي يعتبره مراقبون على علاقة بخيارات كبرى للسلطة في شأن الانتخابات الرئاسية المقبلة. وجمع بلعياط ما يزيد قليلاً عن نصف عدد نواب الحزب في البرلمان، وتم الاتفاق معهم على اعتماد مبدأ التعيين بدل الانتخاب في هياكل البرلمان. وفي الظاهر يبدو الإجراء محدوداً يتعلق فقط بمسألة هياكل البرلمان، لكنه في الواقع يشير إلى الانقسام الجديد داخل الجبهة والأزمة التي أصبحت تعرف ب «الأفالان»، ويعتقد البعض أنها امتداد لسباق الرئاسيات المقبلة والتنافس بين المجموعات المختلفة التي يسعى كلٌ منها لتمكين مرشحه. ويتهم الطاهر خاوة، رئيس المجموعة البرلمانية للجبهة، وأهم خصوم بلعياط، الأخير بالعمل على رسم أجندة لمرشح «مستتر» للرئاسيات المقبلة. وقال خاوة ل «الحياة» إن «عبد الرحمن بلعياط يعمل على تحضير جبهة التحرير الوطني لكي تعلن مساندتها لمرشح محتمل للرئاسيات المقبلة». ويرفض خاوة الجهر باسم من يعتقده مرشحاً، لكن أغلب الترشيحات تتجه للأمين العام السابق للجبهة، علي بن فليس. وتابع خاوة قائلاً: «إنهم يريدون صد أي احتمال لاستمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم»، إلا أن عبد الرحمن بلعياط اعتبر هذه التهم «مجرد تخريف حتى يوغروا صدر بوتفليقة ضدنا». وفي الأيام الأخيرة لم يخف نواب محسوبون على خصوم منسق المكتب السياسي لعبد الرحمن بلعياط، شكوكهم في أن القيادة الحالية للحزب تحاول الترويج لمرشح ما في الرئاسيات المقبلة، ما نقل الصراع بين الفريقين إلى داخل البرلمان. وعلى رغم أن جبهة التحرير عرفت أزمات حادة من قبل، إلا أن الوضع لم يكن على قدر من الغموض مثلما هو الحال في هذه الأزمة التي بدأت بمرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ويرى كثيرون أن الخلافات الحاصلة الآن سببها «حرب مواقع» ليس فيها ما يمت بصلة ل «خلافات فكرية أو سياسات حزبية»، على عكس الأزمات التي شهدها الحزب في السابق. وكانت إحدى هذه الأزمات في منتصف التسعينات حين ساد جدل حول إخراج الحزب إلى المعارضة أو إبقائه «قاطرة» السياسة الداخلية في الجزائر، ثم انتصر أصحاب الرأي الأخير بينما غادر الأمين العام السابق عبد الحميد مهري الأمانة العامة مكرهاً في عملية عُرفت وقتها ب «المؤامرة العلمية» قادها عبد القادر حجار سفير الجزائر الحالي في تونس. كما مر الحزب بصراع داخلي آخر قبل عشر سنوات كان الأعنف في تاريخه منذ الاستقلال. وتحوّلت أزمة الحزب آنذاك إلى «أزمة بلد»، قادها فريق من «التصحيحيين» على رأسهم الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم، لصالح عبد العزيز بوتفليقة ضد خصمه السابق علي بن فليس. وانتهى ذلك الصراع بفوز بوتفليقة بمقاليد الحزب وبرئاسة الجمهورية، فيما خسر بن فليس أمانة الحزب وسباق الرئاسيات، ثم اختفى بعدها عن الحياة السياسية نهائياً.