مرة جديدة كانت العاصمة الفرنسية على الموعد، فبعد نهاية أسبوع الموضة بدأت أيام «موضة السيارات»، حيث تستضيف باريس منذ 4 الجاري وحتى غد 19 منه دورة أخرى من دورات وأولى أقدم معرض للسيارات في العالم وأولها، الذي أطلقه رجل الصناعة ألبير دو ديون، هذا العام اهتماماً ملحوظًا بعروض ال «كروس أوفر» أو متداخلة الأوجه، حيث اشتعلت المنافسة بين الصانعين الكبار، شأن تويوتا وبيجو وسيتروين وسانغ يونغ وهوندا وفيات وأيضاً جيب، لتقديم موديلات مُدمجة وأخرى اختبارية بنكهة رباعية الدفع، بينما كشف كل من كيا وميتسوبيشي عن خطط مستقبلية لعروض كروس أوفر ينتظر رؤيتها قريباً. أيضاً، كان للتقنيات الخضراء صديقة البيئة تواجداً ملموساً، لا سيما الكهربائية والهجينة منها، التي تجمع ما بين متعة القيادة والتصميم الجذاب العصري، منها عروض لامبورغيني آستيريون الهجينة وفولكسفاغن XL Sport وغيرهما. تتعلّق أبرز معالم هذه الدورة من «مونديال السيارات» الباريسي، بالصانعين الفرنسيين الثلاثة الكبار: بيجو وسيتروين ورينو، فبعد المعاناة الشديدة في السنوات الماضية من نزيف للمبيعات وتدنّي الطلب على عروضهم مع المنافسة الشديدة من الصانعين الآسيويين والكلفة العالية للطاقة، وكذلك أسعار اليورو المتقلّبة (عوامل شكّلت ضغطاً على صناعة السيارات عموماً في بلدان الاتحاد الأوروبي)، لكن يبدو أن تلك الأجواء العصبية في طريقها إلى زوال وانقشاع. الصانعون الفرنسيون الكبار يبدو أنهم نجحوا إلى حدّ ما في التحكّم في سعة الإنتاج الزائدة عن الحاجة من خلال خطط رشيدة لإعادة الهيكلة رغبة في التعافي من تداعيات الأزمة الاقتصادية الأوروبية، وإن كانت هذه العوامل لن تستقيم من دون إخراج منتج نهائي يدغدغ مشاعر الزبائن ويأسر قلوبهم. وهو بالضبط ما فعله هؤلاء الصانعين من خلال الكشف عن زخم من العروض الجديدة على منصاتهم. بيجو، على سبيل المثال، لا تزال منتشية من فوز الجيل الأحدث من 308 الهاتشباك بلقب «سيارة العام»، كما أزاحت الستار عن نموذج تصوّري جديدة يحمل اسم «كوارتز» بوصفه سيارة هجينة تتضمّن محرّكاً بنزينياً وآخر كهربائياً، بغرض المنافسة في قطاع عروض الكروس أوفر المتنامية. يُذكر أن الصانعين الثلاثة الكبار مجبرون على تطوير عروض في متناول الجميع تحقق خفضاً ملحوظاً في استهلاك الوقود، بعدما وضعت الحكومة الفرنسية معايير صارمة بهذا الصدد، ما يعني توقّع إطلاق مزيد من العروض الاختبارية في الفترة المقبلة. ومن جانبها، أطلقت رينو موديلها الاختباري Eolab الذي يسفر عنه 22 غراماً فقط من ثاني أوكسيد الكربون لكل كلم مقطوعة، فضلاً عن معدّلات استهلاك لافتة جداً للوقود، والفضل يعود في ذلك إلى تحسين مستويات الأيروديناميكية وتطبيق معايير حاسمة في اختزال الوزن. وعموماً، تجديد دماء الشركات الفرنسية الكبيرة الثلاث من خلال عروض محسّنة أطلت من نافذة المعرض هذا العام، يوضح بشدة كيف زادت تلك الشركات حصتها السوقية في بلادها، حيث باتت عروضها تشكّل 57 في المئة من مبيعات السيارات في فرنسا، بزيادة 2 في المئة عن العام الماضي. لكن المنافسة لا تزال صعبة، فقد تزايدت نسبة السيارات الجديدة المسجّلة في فرنسا حتى تاريخه بدرجة جد طفيفة لم تتعدّ ال1.8 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2013، ما يعني توقّع بيع أكثر من 1.83 مليون وحدة حتى نهاية العام الجاري في السوق الفرنسية. ويعني هذا أن متوسط المبيعات السنوية أقل بنحو 10 في المئة عن المعدّل ذاته للسوق الفرنسية قبل الأزمة الاقتصادية التي أطاحت بالبلدان الأوروبية قبل سنوات قليلة. ويمكن القول إن الصانعين الفرنسيين الثلاثة الكبار لم يكن مقدراً لهم الصمود والتعافي النسبي من تداعيات الأزمة الاقتصادية الأوروبية إلا باعتماد تدابير قاسية تمثّلت في تسريح آلاف العمال وخفض معدلات التصنيع والإنتاج وسعته. رينو، على سبيل المثال، باعت حصتها في شركة فولفو السويدية للشاحنات من أجل الحصول على سيولة نقدية، كما قللت حجم عروضها الإنتاجية والانخراط في توقيع اتفاقات أكثر مرونة للعمالة لديها وزيادة عدد ساعات العمل في مصانعها. وحاول تحالف بيجو- سيتروين الحصول على مساعدة من الحكومة الفرنسية وشركة «دونغفينغ موتور» الصينية، تمثلت في استثمار كل منهما على حدة مبلغ 669 مليون جنيه إسترليني في مقابل حصول كل منهما على 14 في المئة من أسهم التحالف. وتحت مسمّى هذا الاتفاق الجديد، تخلّت عائلة بيجو عن التحكّم بأمور التحالف بعد 200 عام على الهيمنة عليه. وللمرة الأولى، عيّن رئيس تنفيذي لبيجو- سيتروين لا يحمل اسم بيجو! وبسبب هذه التدابير الجديدة، خفّض حجم عروض التحالف إلى النصف تقريباً، ما يعني الاستغناء عن الموديلات التي كانت تسجّل مبيعات متدنية.