حملت دورة هذا العام من معرض باريس الدولي للسيارات انعكاساً حقيقياً للأوضاع الصعبة التي تعيشها القارة الأوروبية والمتمثلة بأزمة الديون الاقتصادية التي ألقت بظلالها على الصانعين وتسببت بانخفاض المبيعات عموماً بنسبة 8,6 في المئة في الشهور الثمانية الأولى من العام الحالي، وفق مصادر اتحاد شركات صناعة السيارات الأوروبية. ويمكن القول إن الدورة الأخيرة من المعرض الذي تعود جذوره إلى بادرة رجل الصناعة ألبرت دو ديون عام 1889، أولت عناية خاصة بالعروض المخصصة للاستهلاك التجاري الواسع، على حساب النماذج التصورية الاختبارية التي جاءت محدودة نسبياً مقارنة بالدورات السابقة، فضلاً عن الاهتمام الملحوظ بالعروض الكهربائية والهجينة، مع إزاحة الستار عن إطلاقات أولية حصرية تهدف إلى جذب الزبائن الأوروبيين واستقطابهم مجدداً إلى صالات العرض. على رغم الإطلاقات الجديدة، جاءت دورة 2012 من معرض باريس الذي يختتم غداً، وسط أجواء أوروبية مضطربة يلفها الغموض الشامل والحذر، حيث يعاني مختلف الصانعين الأوروبيين من مبيعات متدنية لعروضهم وسط منافسة قاسية من نظرائهم الآسيويين والكلفة العالية للطاقة وأسعار اليورو المتقلبة، وكلها عوامل تشكل ضغطاً على الصناعة عموماً. الا أن ذلك لم يقف حائلاً دون تقديم طرز جديدة. وفي هذا السياق، شهدت أروقة المعرض إطلاق سيارات مدنية مدمجة وسيدان مخصصة للاستهلاك التجاري الواسع، تحمل توقيع صانعين مثل جاغوار، لاندروفر، جنرال موتورز، تويوتا، ليكزس، هيونداي، نيسان، فورد، بيجو، رينو، مرسيدس - بنز وغيرهم، إلى جانب عدد قليل ومحدود من النماذج التصورية والسيارات رياضية النفس، وقد أطلت كلها على مساحة بلغت 96 ألف متر مربع. وخلال التجوال بين منصات الصانعين، تلفت النظر عروض أبرزها جاغوار F-Type، كاديلاك ATS منافس الفئة الثالثة من بي إم في، ماكلارين P1 الذي جاء ليخلف طراز F1، بورشه 911 كاريرا 4 وكاريرا 4S، ولامبورغيني غاياردو. وفي فئة الهاتشباك المدمجة التي تُعد الفئة الثانية الأكثر تفضيلاً لدى الزبائن الأوروبيين، يبرز الجيل السابع الأحدث من فولكسفاغن غولف التي بيع منها نحو 29 مليون وحدة منذ ظهورها الأول عام 1974، جنباً إلى جنب مع طراز آودي A3 سبورتباك والجيل الثاني من تويوتا أوريس، وغيرها. وبالنسبة للعروض الخضراء صديقة البيئة، قدمت ليكزس طراز LF-CC الهجين الاختباري، وميتسوبيشي موديل أوتلاندر لعام 2014 الهجين المزوّد بشاحن، فيما كشفت مرسيدس عن النسخة الكهربائية من SLS AMG وغيرها. ديون أثرت أزمة ديون منطقة اليورو في شكل مباشر على المبيعات، ففي إيطاليا مثلاً انخفضت المبيعات 20 في المئة بينما تراجعت 25 في المئة في فنلندا، وتقلّصت السوق الفرنسية للسيارات 11 في المئة، حتى إن السوق الألمانية انخفضت فيها المبيعات بنسبة 5 في المئة خلال آب (أغسطس) الماضي، علماً أن فورد هي أكثر المتضررين من هذه الأزمة، إذ انخفضت مبيعاتها الأوروبية 29 في المئة، بينما تدهورت مبيعات فيات 18 في المئة وبي إم دبليو 12 في المئة. ولم تجد سياسة «تحطيم الأسعار» وابتكار العروض لاجتذاب الزبائن التي يتنافس عليها الشركات والصانعون في القارة العجوز، نفعاً. فقد انخفض الطلب على عروض رينو بنسبة 20 في المئة خلال آب الماضي، كما انخفضت مبيعات سيتروين 5,3 في المئة وبيجو 9 في المئة. كما تراجع الطلب على عروض تويوتا وفيات في أوروبا خلال الشهر ذاته 24 في المئة، تليهما عروض فورد بنسبة 16 في المئة وفولكسفاغن بنسبة 5 في المئة. يذكر أن الشركات الأوروبية على أبواب الدخول في سياسة تقليص النفقات؛ حيث خفّضت دايملر - بنز أخيراً توقعاتها المبيعية لعروض مرسيدس. كما يرجّح خبراء ومراقبون أن تعلن الشركة الألمانية، بعد بيجو، تسريح آلاف من عمالها. وفي ظل هذه التطورات الرمادية، ستكون أسواق أخرى ناشئة محط اهتمام الصانعين الكبار في المرحلة المقبلة. ووفقاً للاتحاد الأوروبي للسيارات فإن الأسواق الأميركية والبرازيلية واليابانية هي الأكثر نمواً من خلال ارتفاع المبيعات بنسبة 20 و32 و15،6 في المئة على التوالي. www.carsandspeed.com