تركت لنا ليلى طنّوس داوتون إرثاً غنياً ملؤه المثاليات النبيلة وقدّمت مثالاً عظيماً على كيفية لقاء الشرق بالغرب في الصداقة والوحدة وفي السلام والكرامة. وقد يبعث رحيل أي شخص عن هذه الحياة على الحزن لأنّه لم ينجز الكثير، أو على الامتنان والفرح لأنّه عاش حياته على أكمل وجه كما هي حال ليلى طنوس داوتون. والحال أن حياتها كانت حافلة بإنجازات مهمّة، فقد فتحت آفاقاً جديدة وكانت رائدة. وتماماً كما كانت كلّ من مي زيادة، أول محرّرة عربية في صحيفة عربية، وهدى الشعراوي بطلة حركة تحرر المرأة في مصر بامتياز، كانت ليلى طنوس داوتون أوّل مذيعة ومحرّرة برنامج إذاعي على ال «بي بي سي» العربية. ومن موقعها كمقدّمة البرامج الثقافية والأدبية باللغة العربية في القناة، كان صدى صوتها يتردّد في أنحاء العالم العربي وقد استحوذت على عقول المستمعين وقلوبهم في هذه المنطقة المهمّة. بعد أن أنهت دراستها الجامعية في بيروت بتفوّق، وصلت ليلى طنوس إلى لندن عام 1946. وبعد سنة، تزوجت من برنارد داوتون (1918 - 2004) وهو عالم رياضيات تخرّج في جامعة كامبريدج. كما أنّه كان مثالاً على شهامة الرجل الإنكليزي المثالي. وبفضل العمل الإبداعي الذي أدّته في ال «بي بي سي»، وحّدت ليلى طنوس داوتون العالم العربي. ونجحت في تطوير نمط تعبير خاص بها وطريقة لفظ فهمها وقدّرها الناطقون باللغة العربية في كل البلدان. وأنجزت مهمتها الأساسية القائمة على بلوغ مصالحة بين الشرق والغرب بنجاح فائق. وتشاركت مع مستمعيها القيم الأبدية في كلا الثقافتين وكرّمت كلّ شخص بغضّ النظر عن دينه أو لونه أو عرقه. ومثّلت بشخصها اجتماع الشرق والغرب وتبنّت الوعد بعالم موحّد في المستقبل. وكانت تتقن لغتين على الصعيدين الثقافي والروحي. وينطبق على استخدامها العربية عبارة السحر الحلال فيما كانت تجيد الإنكليزية إجادة تامة. وعلى رغم أنها كانت تسافر برفقة زوجها إلى أنحاء العالم إلا أنهما كانا مواطنين ينتميان إلى مدينتين رائعتين هما بيروتولندن. وكانت سعة اطلاع ليلى رائعة. فمعرفتها العميقة بالثقافة والحضارة العربية تلاقت مع اطلاعها على الأدب الإنكليزي. ومن بين الإنجازات التي حققتها بفضل الخبرة التي اكتسبتها في ال «بي بي سي»، تأسيسها الجمعية البريطانية - اللبنانية في لندن. وحين تجمّع عدد كبير من اللبنانيين في العاصمة الإنكليزية نتيجة الحرب الأهلية في بلادهم ، شعرت ليلى أنّ واجبها يكمن في توحيد أعضاء الانتشار اللبناني حول مسعى جماعي لمساعدة وطنها. لقد كانت سفيرة لبنان غير الرسمية. وبات منزلها مركزاً للنشاط الديبلوماسي والثقافي والأدبي اللبناني. كما أمضت آخر عقدين من حياتها تخدم وطنها الأم. وعلى غرار جبران خليل جبران، آمنت بلبنان موحّد على كل الصعد: لبنان العدالة والتناغم الديني والفكر التقدّمي. ولتحقيق هذه الغاية، عملت في اللجنة الاستشارية الدولية في منبر جورج وليزا زاخم للقيم والسلام في جامعة ميريلاند. ولا شكّ في أنّ جامعة ميريلاند مدينة لها بالخدمات الكثيرة التي قدمتها على مرّ السنوات.