جبران خليل جبران اللبناني - الأميركي، الكاتب بالعربية والإنكليزية، المنتشرة أعماله بلغات العالم، لا يني اسمه يقدم نمطاً مطلوباً في العلاقات بين الشعوب، فهو تأكيد علاقة لبنانية (وعربية ايضاً) - أميركية قائمة على الشأن الإنساني، في تذكير دائم بالصورة الأساسية للبلدين الصغير والكبير القائمة على الاعتراف واحتضان الآخر. رجل الأعمال اللبناني جورج زاخم نشّط هذه العلاقة الثقافية الإنسانية بدعمه كرسي جبران في جامعة ميريلاند، بمبلغ مليون دولار أميركي ما يجعل هذا الكرسي الجامعي الوحيد في العالم قابلاً للاستمرار. وبدورها قبلت الجامعة دعم زاخم واعتبرته خالصاً لوجه الثقافة والإنسان منزهاً عن المصالح العابرة. كرسي جبران الذي تأسس قبل 23 عاماً في جامعة ميريلاند صار اسمه الدائم «كرسي جورج وليزا زاخم للدراسات الجبرانية»، وعلمت «الحياة» من البروفسور سهيل بديع بشروئي ان زاخم سبق ان دعم تباعاً نشاطات للكرسي تتعلق بنشر التراث الجبراني في لغات العالم وبمزيد من الأبحاث في هذا التراث. كانت مناسبة للاحتفال بجبران رمزاً للعلاقة الثقافية اللبنانية - الأميركية وللأفق الإنساني للأدب والفن، وربما لهذا الأمر أدرج «كرسي جورج وليزا زاخم للدراسات الجبرانية» في سياق الدراسات الأنثروبولوجية في الجامعة. واهتم بالمناسبة في شكل خاص دان كلينتون موت رئيس جامعة ميريلاند التي تضم أرشيف الدولة الأميركية، وقدم منزله الواقع على تلة داخل الجامعة مكاناً للاحتفال في جو عائلي بحضور حوالى 50 مدعواً من وجوه المجتمعين اللبناني والأميركي، ومن اللبنانيين الحاضرين رئيس جامعة البلمند الوزير السابق ايلي سالم وكلوفيس مقصود وسهيل بشروئي وزوجته وحبيب الدبس وزوجته وفيليب سالم وزوجته ومي الريحاني ونبيل عازار وزوجته والسفير اللبناني انطوان شديد ومساعدته السفيرة كارلا جزار، كما حضر الى جانب رئيس الجامعة صاحب الدعوة وزوجته، نائبه برودي رمنكتون وزوجته والعميد دون تاوزنت وزوجته وعدد من الأكاديميين والمثقفين الأميركيين. بدأ الكلام الرئيس موت مرحباً بالحضور ولاحظاً اهمية المناسبة، واعتبر وجود كرسي جبران في الجامعة إضافة مهمة ورفعاً لدور الأدب واللغة في مجال الفهم الثقافي المتبادل، ورأى في دعم زاخم شأناً ذا دلالة ايجابية لا يندرج في سياق المتداول في الدعم المالي، ونوه بجهد سهيل بشروئي الذي «كرس عمره ليس فقط لدراسة ونشر الشاعر اللبناني العظيم جبران ولكن ايضاً لرسالته في الاتحاد والتفاعل والتضامن». وألقى جورج زاخم كلمته (نصها في مكان آخر من هذه الصفحة) وأعقبه بشروئي بقراءة باللغتين العربية والإنكليزية لمقطع من كتاب «النبي» لجبران عن التعليم، معرباً عن أمله في «ان يوسع كرسي جبران من مداركنا، يغني فنوننا ويطلق مساحة تعاطفنا، ويطوّر قابليتنا للعمل معاً. وآمل ايضاً ان دراسة جبران ومعاصريه كأمين ريحاني وميخائيل نعيمة ستقنع الدارسين بأنه من أجل الحق والخير والجمال، يجب ان نضحي، وبسرعة، بكل ما هو سريع الزوال». وأضاف: «إننا ندخل عصر العولمة وجبران هو شاعر العولمة بامتياز. كان سابق عصره في رؤية شاعرية عمل من خلالها بلا كلل ليحذرنا من اخطار التفرقة. وتطرق في كتاباته الى مسائل عصرنا العالمية: تحرر المرأة، حقوق الإنسان وحرية المعتقد، العدالة الاجتماعية والاقتصادية، إدانة اشكال العنف، الأمن الجماعي، دفاع روحي عن البيئة وعن طهارة الطبيعة، ولكن فوق كل هذا كان يعتقد بوحدة الإنسانية وبالحجة للتجييش لثقافة كونية للسلام، ولنزع كل أنواع التحيّز، خصوصاً التحيّز الديني». ورأى السفير شديد «إن رؤية جبران ومعتقده في وحدة العائلة الإنسانية كانا هبة وطنه، فلبنان مفترق الطرق في أقدم حضارة عرفها الإنسان، وهو يتعدى موقعه الجغرافي، ممثلاً الوحدة في التعدد، فلبنان ليس فقط أمة ولدت من ديانات أو إثنيات، انه ايضاً أمة مؤثرة ببقائها على اتصال مع مغتربيها في العالم. وجبران كان قبل كل شيء مواطناً حقيقياً للعالم، رجلاً من الشرق اصبح رجلاً من الغرب، من هنا كان باستطاعته التعبير عن حاجات عالم اليوم للتوازن والتصالح بين القلب والعقل، بين الإيمان والمنطق، بين القيم الروحية والمتطلبات التكنولوجية الحديثة والازدهار». وأثناء الاحتفال تسلّم جورج زاخم من الرئيس دان كلينتون موت هدية رمزية هي مجلد فاخر يضم طبعة نادرة لديوان «المواكب» الذي كتبه جبران بالعربية وترجم لاحقاً الى الإنكليزية ولغات أخرى. وتسلم الرئيس موت من بشروئي لوحة خطية تضم كلمات لجبران بالعربية والإنكليزية. وسيقرأ زاخم بين ما يقرأ في هدية «المواكب» هذا المقطع عن الحب في مجاله الأنقى: والحبُّ في الناس اشكالٌ وأكثرُها كالعشب في الحقل لا زهرٌ ولا ثمرٌ وأكثرُ الحب مثلُ الراح أيسرُهُ يُرضي وأكثرُهُ للمدمن الخطرُ والحبُّ إن قادت الأجسامُ موكبهُ الى فراشٍ من الأغراضِ ينتحرُ كأنهُ ملكٌ في الأسر معتقلٌ يأبى الحياةَ وأعوانٌ له غدروا ليس في الغاب خليعٌ يدّعي نبلَ الغرام فإذا الثيران خارَت لم تقلٌ هذا الهيامْ إن حبَ الناس داءٌ بين لحم وعظامْ فإذا ولّى شبابٌ يختفي ذاك السّقامْ أعطني النّاي وغنّ فالغنا حبٌ صحيحْ وأنينُ الناي أبقى من جميلٍ ومليحْ وإذ يحقق دعم جورج زاخم كرسي جبران املاً راود الكثيرين لأن اللبنانيين، ومعهم العرب، يحتاجون اليوم أكثر من أي يوم آخر الى جسور حقيقية مقنعة تصلهم بالنخب وبالشعوب في العالم، وجبران الحاضر في اكثر من مئة لغة هو نموذج الجسور الثقافية الممكنة لئلا نقع في عزلة وسوء فهم. وهذا الدعم، يحقق بالذات أمل ميخائيل نعيمة رفيق جبران في الإبداع والحياة الذي قال: «هذه كلمة أسوقها الى محبي جبران في الشرق والغرب، لا سيما اولئك الذين يتحدثون في أمر تخليده بالتماثيل وما اليها. ليس جبران في حاجة الى ما يخلّد ذكره في الحجر أو البرونز أو سواهما، فهو أخلد كإنسان. وأبقى اثراً كشاعر وفنّان. ولا نفع له أو لسواه من نصب يقوم في ساحة ما من مدينة ما فيمسي على التمادي محطة للعصافير ومصيدة للغبار. وإذا كان المقصود من كل ذلك «تكريم» جبران فأجمل ما نكرمه به هو نشر أدبه وفنه بين الناس. ذاك أمرأ على قلبه بما لا يقاس وذاك ما أنفق حياته لأجله. فتماثيل تقيمها روحه في أرواح الناس لأعظم وأروع من تماثيل يقيمها له الناس في ساحات المدن وعلى قوارع الطرق».