غيّب الموت في لندن صباح أول من أمس السيدة ليلى طنوس دوتون، عن عمر تجاوز 92 سنة. وكانت ليلى أدخلت مستشفى «تشيلسي أند وستمنستر» لإجراء جراحة في صمام القلب، انتهت من بعدها بإعلان الوفاة. وكان من الطبيعي أن يُحدث نبأ وفاة المربية والناشطة الاجتماعية صدمة لكل من عرفها في لبنان والمملكة المتحدة، خصوصاً أن حياتها الحافلة بالمنجزات كانت موزّعة بين وطنين تنتمي إليهما معاً وفق هويتيها اللبنانية والبريطانية. والحديث عن ليلى طنوس، يعود بالذاكرة إلى مسقط رأسها بشمزين البلدة الواقعة في منطقة الكورة في شمال لبنان الملقبة ب «مخزن الشهادات» لكثرة من أنتجت من خريجي الجامعات. وفيما كان أهل هذه البلدة يفاخرون بتأمين ثلاثين أستاذاً للجامعة الأميركية، كانت الصبية ليلى طنوس، تتباهى بحصولها على أعلى الدرجات العلمية. وتتباهى أيضاً بأن الدكتور شارل مالك كان يحرص على مراقبة أطروحاتها الجامعية، كونه من الأنسباء والجيران. أي من بلدة بطرّام المتاخمة لبلدة بشمزين. عقب حصولها على بكالوريوس في الآداب، ساهمت ليلى طنوس في إنشاء «نادي بشمزين الأدبي» الذي استضاف في حينه كبار الشعراء والكتّاب. وفي ذلك النادي ألقى «الأخطل الصغير» قصيدة سياسية مزلزلة مطلعها: «لبنان... ما لفراخ النسر جائعة/ الأرض أرضك أعلانا وأدناها/ أللغريب اختيال من مرابعها/ وللقريب انكماش في زواياها». وفي هذا الجو السياسي المحموم عاشت ليلى صباها، إلى أن دخل في حياتها ضابط بريطاني يدعى برنارد دوتون، لم يلبث أن تزوجها ونقلها معه إلى لندن. موهبة ليلى في حقل الإعلام برزت في شكل متطور عندما التحقت بالقسم العربي في إذاعة ال «بي بي سي». وبعد سلسلة اختبارات نجحت المذيعة ليلى طنوس في ابتكار لهجة عربية مفهومة لدى كل المستمعين، لا فرق أكانوا من المغرب أو من مصر، أو من لبنان وسورية والعراق والأردن... بعد اندلاع الحرب اللبنانية، وازدياد أعداد النازحين إلى بريطانيا، كان لليلى طنوس الدور العملي والاستشاري في إنشاء «الجمعية اللبنانية - البريطانية» التي قامت لتأسيس تقارب بين المغتربين اللبنانيين والمؤسسات البريطانية، الثقافية منها والإنسانية. وخلال تلك المرحلة دشّنت ليلى مشروع مدرسة اللغة العربية فيما كان أبناء الجالية يعانون صعوبة الحفاظ على اللغة الأم. وعُرف ذلك المشروع ب «مدرسة السبت» التي استقطبت مئات الطلاب، من مختلف الأعمار، وعلى مختلف المستويات. وقد استمرت تلك المدرسة طوال ربع قرن تقريباً بفضل الرعاية التي وفّرتها لها ليلى طنوس. وفي غمرة فرحتها بالمنجزات التي حققتها، كانت ليلى تفاخر بأن أولادها غير محصورين بأنطوني وجوليان، إذ اعتبرت أن كل طالب وطالبة انخرطا في «مدرسة السبت» من أولادها أيضاً... رحم الله سيدة لم تترك إلا سمعة عطرة في لبنان وبريطانيا.