تنتظر الرئيس الأميركي باراك أوباما في زيارته الرئاسية الأولى للأراضي الفلسطينية وإسرائيل الشهر المقبل آمال كبيرة، لكن توقعات الفلسطينيين من هذه الزيارة تبدو شديدة التواضع. تتسع الآمال بزيارة رئيس القوة العظمى بحجم اتساع المشكلات التي تواجه عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية التي بدأت قبل 22 عاماً، ووصلت إلى طريق مسدود، وفي مقدمها استمرار وتكثيف الاستيطان الإسرائيلي بحيث لم يبق من أرض فلسطينية لإقامة دولة عليها، ما يعني قتل المخرج الوحيد الممكن للصراع المركزي في الإقليم. وتضيق توقعات الفلسطينيين الذين شهدوا العملية السياسية التي أطلقتها واشنطن في 1991 تذوي، وشهدوا الإدارات الأميركية المتعاقبة تتراجع أمام المشروع الإسرائيلي الاستيطاني المتواصل في تحويل الضفة الغربية إلى دولة للمستوطنين، وتهويد القدسالشرقية عبر زرع المستوطنين اليهود في قلبها وأطرافها، وعزلها كلياً عن باقي التجمعات السكانية الفلسطينية، وتجريد أهلها الأصليين من حق الإقامة فيها بشتى الطرق والوسائل، بعدما جردوا من الغالبية العظمى من أرضهم، ومن حقهم في البناء عليها. وتضيق التوقعات أكثر من إدارة أوباما الذي حاول في إدارته الأولى حمل إسرائيل على تجميد الاستيطان، ولو جزئياً، لكنه ليس فقط لم ينجح، وإنما تعرض لضغوط إسرائيلية في عقر داره أدت إلى تقييد المحافظين، أصحاب الغالبية في مجلس النواب، له واشتراطهم التوقف عن الضغط على إسرائيل للمصادقة على مشاريعه المركزية. وعليه، يتوقع الفلسطينيون من أوباما محاولات أخرى لإدارة الصراع وليس العمل جدياً على حله، بسبب ضعف موقفه داخل المؤسسة الأميركية، وقوة نتانياهو واليمين في إسرائيل. وقال عضو الوفد الفلسطيني المفاوض محمد اشتية ل «الحياة» إنه «أمام الرئيس أوباما ثلاثة سيناريوات للعمل: الأول، هو أن يعمل مرة ثانية ما عمله في فترته الرئاسية الأولى، وهو تعيين مبعوث خاص للسلام، وهذا لن يخلق أي تقدم. الثاني، أن يدعو إلى تجمع دولي لإعادة إطلاق عملية السلام، كما فعل سلفه جورج بوش الابن في أنابوليس، وهو سيناريو لن يكون له مردود. والثالث، هو اتباع النموذج الذي اتبعه كل من الرئيسين كارتر وكلينتون، وهو الانخراط الشخصي المباشر في الموضوع، وهذا هو السيناريو الوحيد الممكن أن يؤدي إلى تقدم». ويحدد اشتيه شروط نجاح مسعى الرئيس أوباما بأربعة هي: أولاً، تحديد مرجعية عملية السلام، وهي قرارات الأممالمتحدة. وثانياً، خلق مناخ إيجابي يتمثل في وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. والثالث وضع جدول زمني لإنهاء المفاوضات، ذلك أنه مضى على هذه العملية 22 عاماً ولم تنته بعد. والرابع، هو أن يحدد دور أميركا في هذه المفاوضات: هل هو دور ميسر؟ أم راع، أم وسيط، أم لاعب مؤثر؟». ولفت اشتيه إلى أن «أي مفاوضات جديدة تتطلب مصداقية في عيون الناس، وهذا لن يتأتى إلا برؤيتهم توقف الاستيطان، وإلا علينا البحث عن شيء آخر». ويرى كثيرون أن زيارة أوباما لن تسفر عن أي نتيجة عملية للفلسطينيين، بل ستؤدي، على الأرجح، إلى شراء المزيد من الوقت عبر مواصلة إدارة الأزمة. وقال الدكتور عزمي الشعيبي، وزير سابق وخبير سياسي: «سنسمع أفكاراً من قبيل العودة إلى المفاوضات مقابل تجميد تطبيق مشاريع البناء الأخيرة لفترة من الوقت، مثل ستة شهور، أو ما شابه، وهذا لن يقودنا إلى شيء». وأضاف: «وربما يجري الأردن محاولة أخرى لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات في شروط مماثلة، وهذا أيضاً غير كاف لإحداث تقدم وتغيير». ويتوقع مراقبون آخرون أن يمارس أوباما ضغوطاً على الطرف الأضعف في المعادلة، وهو الطرف الفلسطيني بسبب عدم قدرته على ممارسة ضغط على الطرف القوي، وهو نتانياهو وحكومته المتطرفة. وقال الدكتور جورج جقمان رئيس مؤسسة الدراسات «مواطن»: «سيتحرك أوباما من دون شك لأنه يدرك أن استمرار الوضع الحالي سيقود إلى حدوث صدام يؤدي إلى إشعال المنطقة. لكن السؤال هو: أي مسار سياسي يريد؟». وأضاف: «أخشى أن يطرح على الفلسطينيين حلولاً جزئية مثل الدولة ذات الحدود الموقتة». والدولة ذات الحدود الموقتة على نصف أو 55 في المئة من مساحة الضفة الغربية، من دون القدس، هو الحل الوحيد المقبول لدى نتانياهو. لكن الفلسطينيين رفضوا بشدة عروضاً من هذا النوع في السنوات الأخيرة إدراكاً منهم أن الحل الموقت سيتحول إلى حل نهائي أمام الاستيطان الذي لا يتوقف عن فرض حقائق دولة المستوطنين في قلب الضفة الغربية.