يتريث «حزب الله» في تشغيل «محركاته» الإعلامية للرد على اتهام الحكومة البلغارية للجناح العسكري فيه بالضلوع في التفجير الذي استهدف مدينة بورغاس في 18 تموز (يوليو) الماضي وأدى الى مقتل خمسة سياح اسرائيليين ومواطن بلغاري، وكأنه يكتفي حالياً بالبيان الذي صدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فور صدور قرار الاتهام عن وزير الداخلية البلغاري تسفيتان تسيفيتانوف، وفيه «إدانة أي عمل أو اعتداء يستهدف أي دولة عربية أو أجنبية واستعداد للتعاون مع الدولة البلغارية لجلاء ملابسات هذا الأمر إحقاقاً للحق وصوناً للعدالة». ولم يكن الموقف الذي أعلنه نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بمثابة رد مباشر على الاتهام البلغاري، لأنه خلا من أي إشارة إلى رغبة في الرد، واكتفى بأنْ صنَّفَ الحملات التي تستهدف الحزب بأنها تأتي في سياق التحريض عليه وتستهدف إنهاءه إعلامياً وسياسياً بعد فشل إسقاطه عسكرياً، وإن اسرائيل تقف وراء هذه الحملات. وهناك من يعتقد، نقلاً عن مصادر وزارية، أن «خلية الأزمات» في «حزب الله» لم تفاجأ باتهام بلغاريا الحزب بضلوعه في التفجير الذي استهدف مدينة بورغاس، بل كانت على علم بمضمون هذا الاتهام، لكنها فضلت حتى إشعار آخر، عدم الدخول طرفاً في السجال لسببين: الأول يكمن في انتظار تسلم الحكومة اللبنانية من نظيرتها البلغارية نتائج التحقيق، ليكون في وسعه البناء على الشيء مقتضاه، والثاني يتعلق بمواكبة الجهود التي تقوم بها الدولة اللبنانية الرامية إلى استيعاب ردود الفعل الأوروبية على هذا الاتهام بعدما أبدت استعدادها للتعاون لجلاء ملابسات هذا الأمر. حملات 14 آذار لكن «حزب الله» يدرس الرد على حملات قوى 14 آذار التي أجمع معظم الأطراف فيها على سؤال الحزب الى أين يأخذ لبنان في حال ثبت ضلوعه في التفجير وماذا سيكون عليه موقف الحكومة، خصوصاً أن الحزب يُعتبر واحداً من أبرز المكونات المشاركة فيها؟ وأن الشيخ قاسم غمز من قناتها في معرض رده على الحملات الإسرائيلية-الأميركية. وفي هذا السياق، تؤكد المصادر الوزارية أن رد الفعل الأولي للرئيس ميقاتي على اتهام بلغاريا الجناح العسكري في «حزب الله» بضلوعه في التفجير، بدا مشغولاً مع بعض الدول الأوروبية من خلال سفرائها في لبنان والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي، باعتبار أنه كان تبلّغ في زيارته العاصمة البلغارية في أيلول (سبتمبر) الماضي، معلومات أولية حول اتهام حزب الله، استناداً إلى التحقيقات التي أجرتها السلطات البلغارية. وتعتقد المصادر أن ميقاتي كان أعد البيان وجهزه قبل أيام، وهو تشاور فيه مع رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والبرلمان نبيه بري، وإلا لما كان أصدره بعد دقائق على صدور الاتهام البلغاري. وتقول إن عدم إقحام مجلس الوزراء في جلسته أول من أمس به أو بمفاعيله الأمنية والسياسية، جاء بموجب المشاورات التي جرت من خارج المجلس وتوافقت على تبني الموقف الذي أذاعه رئيس الحكومة بغطاء من رئيس الجمهورية. وبكلام آخر، فإن مجلس الوزراء تبنى بشكل أو بآخر بيان ميقاتي، مع أن الاتهام لم يكن مدرجاً على الجلسة من خارج جدول أعمالها، وإلا من غير الجائز أن يغيب اتهام يمكن أن تترتب عليه تداعيات سياسية كلياً عن مداولات مجلس الوزراء. مصلحة «حزب الله» في الرد واعتبرت المصادر نفسها ان لا مصلحة ل «حزب الله» في الدخول في رد فعل فوري يمكن ان تترتب عليه ردود محلية وإقليمية ودولية، مع أنها تسأل عن الموقف اللبناني في حال تقدمت الحكومة البلغارية بقرائن وأدلة تثبت ضلوعه في التفجير بعيداً من حصره بتوجيه اتهام سياسي فيه الكثير من الشوائب ومدى قدرة الحكومة على إقناع الدول الأوروبية أولاً بضرورة الفصل بين الجناح العسكري للحزب وبين الآخر المدني الذي يشارك في السلطة التنفيذية ويتمتع بحضور فاعل في البرلمان وبوجود في عدد من المؤسسات والإدارات العامة. كما تسأل عن قدرة الحكومة، في تبريرها للتواصل مع الجناح المدني في الحزب، إذا ما ثبت أن هناك مسؤولية تقع على عاتق الجناح العسكري، ناهيك بموقف البعثات الأجنبية، وخصوصاً الأوروبية منها، التي يستمر معظمها بعقد لقاءات مع مسؤولين حزبيين، فهل تقتنع بمبدأ الفصل بين جناحي الحزب؟ وهل هناك «خطوط حمر» لتعاون لبنان مع السلطات البلغارية؟ إلا أن كل هذه الأسئلة يبقى من السابق لأوانه الخوض فيه، في ظل تقدير مصادر رسمية وأخرى محسوبة على «حزب الله»، أن إدراج اسم الأخير على لائحة الإرهاب يبقى واحداً من الخيارات، ولن يكون بالضرورة الخيار الأوحد، على رغم الضغوط التي تمارسها الولاياتالمتحدة واسرائيل وبعض الدول الأوروبية من باب تضامنها مع بلغاريا على خلفية أن الانفجار استهدف أرضاً لدولة أوروبية من دول الاتحاد الأوروبي. وتعزو مصادر أوروبية غربية السبب إلى أن إصرار بعض الدول على إدراج اسم «حزب الله» على لائحة الإرهاب يمكن أن يفتح الباب أمام إقحام دول الاتحاد الأوروبي في اشتباك سياسي طالما أن فرنسا ومعها الدول الأوروبية المشاركة في «يونيفيل» في جنوب لبنان ترفض إدراج اسمه، بذريعة أنها في حاجة إلى تثبيت الاستقرار في جنوب الليطاني لتطبيق القرار الدولي 1701. وتضيف المصادر عينها أنّ تذرُّع المجتمع الدولي، وفي مقدمه دول الاتحاد الأوروبي، بضرورة الحفاظ على التهدئة في لبنان لخلق مناخ موات لإجراء الانتخابات النيابية في حزيران (يونيو) المقبل، قد يكون إحدى الذرائع لتفادي زعزعة الاستقرار فيه، على رغم أنها باتت على قناعة أن هناك جملة من الأسباب التقنية قد تدفع في اتجاه تأجيلها إلى الخريف المقبل. الضغط الدولي وتكشف المصادر عن الدور الضاغط الذي يلعبه بلامبلي، الذي يحرص باستمرار على تجنب الدخول في اشتباك سياسي مع «حزب الله»، ويشاركه في هذا الرأي عدد من الدول الأوروبية المشاركة في «يونيفيل»، على خلفية أن لا مصلحة لها في توفير الذرائع لإغراق الجنوب في حال من الفوضى يمكن أن تستغلها جهات غير معروفة من أجل تهديد سلامة العاملين في القوات الدولية. وتعتقد أيضاً أن فرنسا المنشغلة حالياً بحربها في مالي ضد المجموعات المتشددة، ليست في وارد تحويل الجنوب اللبناني جبهة مشتعلة تصبح حاضنة للتيارات المتشددة، إضافة إلى أنها تتوقف أمام سياسة «المراعاة» التي أخذ يتبعها بلامبلي ومن خلال قيادة «يونيفيل»، التي دأبت منذ فترة على عدم إصدار أي بيان يتعلق بحوادث التفجير التي تحصل في الجنوب من حين لآخر، وكان آخرها الانفجار «الغامض» في بلدة طير حرفا جنوب الليطاني، أي في منطقة العمليات المشتركة للقوات الدولية والجيش اللبناني. وتؤكد أن سياسة «المحاباة» التي يرعاها بلامبلي في التعاطي مع القوى السياسية الموجودة في جنوب الليطاني، هي دليل واضح على سعيه للحفاظ على الاستقرار في الجنوب وقطع الطريق على احتمال انتقال ارتدادات الأزمة السورية الى منطقة العمليات المشتركة بعدما أخذت تهدد مناطق أخرى في لبنان. لذلك، فإن الولاياتالمتحدة ومعها اسرائيل يمكن أن تستمرا في ممارسة الضغوط على «حزب الله» من دون أن تترجمها إسرائيل الى رد فعل عسكري، على الأقل في المدى المنظور، على أن تضم من وجهة نظرها الانفجار في بلغاريا إلى لائحة «الاتهامات» التي تعدها ضد الحزب وتضيفه إلى الاتهام الذي تذرعت به لتبرير غارتها الجوية على ريف دمشق. وبطبيعة الحال، فإن إسرائيل تضغط للإسراع في اصدار الحكم النهائي على «حزب الله» بضلوعه في التفجير الذي استهدف بورغاس البلغارية، وتترك لنفسها اختيار الوقت المناسب لتنفيذه على طريقتها.