نأى مجلس الوزراء اللبناني في جلسته أمس، برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بنفسه عن اتهام وزير الداخلية البلغاري تسفيتان تسفيتانوف عنصرين في الجناح العسكري ل «حزب الله» بضلوعهما في التفجير الذي استهدف مدينة بورغاس في 18 تموز (يوليو) الماضي وأدى الى مقتل خمسة سياح إسرائيليين ومواطن بلغاري، أو حتى التطرق إليه عرضاً، وكأن الجلسة عقدت قبل صدور هذا الاتهام. واقتصرت ردود الفعل على موقفين، الأول لرئيس الجمهورية ميشال سليمان أكد فيه أن الموقف الذي أعلنه ميقاتي أول من أمس تمّ التشاور بصدده بعد ظهر أول من أمس، وأنه تم الاتفاق على أن يستكمل درسه وتدقيق مضمونه بعد ورود كامل المستندات المتعلقة بهذا الموضوع من المدعي العام البلغاري. أما الموقف الثاني فمصدره رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي أكد في لقاء الأربعاء النيابي أن اتهام «حزب الله» في حادثة بلغاريا و «وضعه على لائحة الإرهاب ليس لمصلحة لبنان واللبنانيين، بل يخدم أعداء لبنان، لا سيما أن للموضوع طابعاً سياسياً داخلياً في بلغاريا التي تمر حالياً في مرحلة انتخابية». فيما لم يصدر أي تعلق رسمي عن «حزب الله». في هذه الأثناء توالت ردود الفعل الأميركية على اتهام «حزب الله»، وحث وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري في اتصال أجراه بنظيرته الأوروبية كاثرين آشتون «بقوة» حكومات أخرى في العالم «لا سيما شركاءنا في أوروبا على القيام بتحرك فوري لقمع حزب الله». وقال كيري في بيان: «علينا توجيه رسالة واضحة الى هذه المجموعة الإرهابية بأنه لم يعد بإمكانها ارتكاب عمل دنيء من دون عقاب». ولفت الى أن الولاياتالمتحدة «تهنئ صديقتها المقربة وحليفتها في الحلف الأطلسي بلغاريا على تحقيقها المعمق والنتيجة الوحيدة التي تشير الى مسؤولية حزب الله اللبناني في هجوم دموي على الأراضي الأوروبية». وأكد كيري أن الولاياتالمتحدة تتصرف بطريقة حازمة لوقف النشاطات المزعزعة للاستقرار التي يقوم بها «حزب الله» في أوروبا وجنوب شرقي آسيا وأميركا الجنوبية والشرق الأوسط. وقالت ناطقة باسم الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي ماجا كوتشيانشيتش إن الاتحاد سيبحث ضم «حزب الله» الى قائمته للمنظمات الإرهابية، وإن إدراج اسمه مجرد خيار من بين خيارات عدة، وإنه لم يتخذ بعد أي قرار في هذا الصدد. أما الناطق باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو، فقال إن السلطات الفرنسية أخذت علماً بتصريح وزير الداخلية البلغاري، وأنها ستستخلص النتائج بالتشاور مع الشركاء الأوروبيين، وأن هناك خيارات عدة قيد الدرس. وبالعودة الى ردود الفعل اللبنانية على اتهام بلغاريا «حزب الله»، كان لافتاً أن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم تجنب في موقف له الرد المباشر على الاتهام على رغم أنه اعتبر أن «الحملة الإسرائيلية بالاتهامات والادعاءات والتحريض على الحزب... تستهدف المقاومة بالسياسة والإعلان بعد أن فشلوا في إسقاطها بالحرب والمواجهة». وتوقعت مصادر مطلعة أن ينحو الحزب، حتى إشعار آخر، الى التريث للرد بناء لنصائح محلية أسديت إليه، وهو يفضل في الوقت الحاضر الوقوف وراء الدولة اللبنانية. وفي هذا السياق علمت «الحياة» من مصادر ديبلوماسية غربية، أن لبنان كان تبلغ قبل أكثر من أسبوع، وعبر قنوات أوروبية عدة، أن الحكومة البلغارية ستوجه الاتهام الى «حزب الله» بالتفجير الذي استهدف مدينة بورغاس، وأن للزيارة الخاطفة للرئيس ميقاتي ليل الجمعة الماضي لميونيخ أثناء عقد مؤتمر الأمن الدولي، علاقة مباشرة بالجهود الرامية الى تطويق تداعيات هذا الاتهام على لبنان. ولفتت مصادر وزارية الى أن موقف ميقاتي من الاتهام، والذي أعلن رفض لبنان أي اعتداء يستهدف أي دولة عربية أو أجنبية، جاء مدروساً وهو حصيلة مشاورات أجراها مع رئيسي الجمهورية والبرلمان، وأن البيان الذي صدر عنه لم يكن وليد ساعته وإنما صيغ بهدوء وبإتقان. وقالت إن جهات دولية واكبت بدورها ما سيصدر عن لبنان الرسمي من موقف. وأكدت ضرورة متابعة ردود الفعل على الاتهام من جهة، والتواصل مع الحكومة البلغارية من جهة ثانية، خصوصاً أن لبنان لم يتسلم أي وثائق، إضافة الى ضرورة ترقب ما سيحمله القرار الاتهامي من أدلة، وبالتالي من المبكر الاجتهاد في تطوير الموقف أو اعتماد سياسة حرق المراحل قبل أن يتبلغ لبنان رسمياً نتائج التحقيق. ولم تستبعد المصادر احتمال مبادرة الحكومة الى التواصل مع الحكومة البلغارية والتشاور مع دول الاتحاد الأوروبي لقطع الطريق على إدراج اسم «حزب الله» على لائحة الإرهاب، لما سيكون له من مفاعيل تستهدف الحكومة أولاً، باعتبار أن فيها ممثلين عن الحزب، مؤكدة أن رئيس الجمهورية سارع الى توفير الغطاء السياسي لموقف ميقاتي من الاتهام.