عشية عودته من باريس إلى بيروت (غداً السبت) أجرت «الحياة» حديثاً مع الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان وصف خلاله مبادرة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون بأنها «اقتراح يعيدنا إلى القانون الأرثوذكسي الذي لا يناسب لبنان ولا المسيحيين ويعزز الطائفية». وقال إن تشكيل الحكومة تم باتفاق داخلي بعدما كان على وشك تشكيل حكومة حيادية وإن إيران لا تتدخل في الأمور الداخلية. وأكد أنه ضد التمديد للمجلس النيابي ويجب أن تركز الجهود على انتخاب رئيس للجمهورية وليس على تمديد للنواب. وكشف أن تدهور علاقته بالنظام السوري بدأ منذ توقيف الوزير السابق ميشال سماحة الذي عمل مندوباً للرئيس الأسد لديه، سائلاً: «كيف ينقل مندوب بيني وبين الأسد متفجرات إلى لبنان؟». ونفى أن يكون اختلف مع قائد الجيش العماد جان قهوجي حول لائحة الأسلحة الفرنسية الممولة بالهبة السعودية المقدمة لدعم الجيش اللبناني عبر فرنسا. وقال إنه لا يعارض مجيء قائد الجيش رئيساً للجمهورية وإن «المادة التي تحول دون انتخاب قائد الجيش خاطئة والبلد محشور فلماذا يمكن صاحب المال والنفوذ أن يصبح رئيساً ولا يمكن ذلك قائد الجيش؟». وهنا نص الحوار: ما رأيك بالانطباع القائل إن اهتمام العالم غير منصب على لبنان، والجميع منشغل بما يحصل في العراق وسورية، وإن اللبنانيين منقسمون لكن الوضع ليس كارثياً فالحكومة موجودة وتسير الأمور؟ - هذا أمر خطير، الدول أصلاً ليس باستطاعتها أن توجد لنا رئيساً، ولو عدنا إلى الفترة التي توليت فيها الرئاسة، فإن الاتفاق على ترئيسي جاء من لبنان علماً أنه كانت هناك ظروف استثنائية تمثلت بمقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والتظاهرات الكبرى التي أعقبت الاغتيال وتصرف الجيش اللبناني حيالها بطريقة مثالية أدهشت قادة جيوش العالم. وبعدها جاءت حرب تموز (يوليو) التي دخل فيها الجيش وعاد في أعقابها إلى جنوبلبنان بعد غياب دام حوالى 35 سنة، وحصلت معارك مخيم نهر البارد وما تبع ذلك من شبه فراغ على صعيد الحكم في لبنان، كل هذا جعل اللبنانيين يوافقون على تولي قائد الجيش رئاسة الجمهورية. والأطراف الخارجيون ساعدوا على تحقيق ذلك لكن هذه المساعدة أعقبت الاتفاق بين اللبنانيين أنفسهم. لكن الشرخ السياسي القائم اليوم في البلاد عميق جداً، فكيف يمكن أن يتوصل اللبنانيون إلى اتفاق؟ - يجب أن يتفقوا من خلال الاحتكام إلى الدستور والديموقراطية الحقيقية، أي القبول الطوعي بالاقتراع والانتخاب وليس القبول القسري، إذ كيف يمكن أن أقول أنا ديموقراطي، ثم أقول لاحقاً أنا لا أتوجه إلى المجلس النيابي إن لم نكن متفقين؟ على المسؤول السياسي أن يظهر أنه ديموقراطي بالفعل، وأن يتم بحث الأمور في إطار المجلس وبالاحتكام إلى لدستور والتنوع والديموقراطية. اقتراح عون ما رأيك باقتراح العماد عون حول انتخاب الرئيس عبر دورتين؟ - هذا الاقتراح يعيدنا إلى القانون الأرثوذكسي بطريقة أو بأخرى. المعلوم أن اتفاق الطائف رسم تركيبة سياسية للبلد دعونا نحترمها ونعمل على تطبيقها فعلاً. فهذا الاتفاق لم يطبق بعد، لأن الكل متمسك بحقوق طائفته، ما يعيدنا إلى موضوع الديموقراطية باعتبارها قبولاً طوعياً، وعندما تتحول إلى قبول قسري بحيث ألجأ إليها عندما تكون هناك منفعة لي، وأحجم عنها إن لم تكن هناك منفعة هو طرح ينطوي على الكثير من الشوائب. والطرح الأرثوذكسي لا يناسب لبنان ولا المسيحيين فيه، علماً أن فكرة انتخاب الرئيس من الشعب ممتازة، ولكن لماذا لا ينتخب الشعب أيضاً رئيس الحكومة وفقاً للنهج نفسه وعلى مرحلتين بحيث ينتخب المسلمون أولاً، ثم ينتخب المسيحيون. بهذا الأمر نعمق الطائفية ونعززها في وقت أن النسبية توسع الأفق أمام الناس لكنها لم تعتمد، وعدم اعتمادها لا يعني العودة إلى القانون الأرثوذكسي. هناك من يرى أن في وسع لبنان أن يبقى في حال فراغ لفترة من الوقت، فما رأيك؟ - هناك مسؤولية تقع على كل من تولى منصباً أو وظيفة في البلد وتقضي بتطبيق الدستور والقانون، ولا يمكن أحداً أن يعلق شؤون الناس نتيجة نزواته الخاصة. كيف تم تشكيل الحكومة الحالية؟ أو ما هي العناصر التي أدت إلى تشكيل الحكومة في حين أن الرئاسة معطلة؟ - تشكيل الحكومة جاء بقرار مني وبالاتفاق مع الرئيس تمام سلام الذي طلبت منه تشكيل حكومة حيادية، ولم يكن لأي عنصر خارجي دور في ذلك. وكنت أبلغت الأطراف بمجموعة أولويات منها حكومة توافق أو تشكيل حكومة وفقاً لصيغة 8 - 8- 8، أو حكومة حيادية ما جعل كثراً يلحون علي لإزالة احتمال الحكومة الحيادية، لكني رفضت ذلك. والعنصر الحاسم كان عندها الإصرار، خصوصاً أني كنت حددت موعداً قاطعاً لذلك وتمسكت بالحكومة الحيادية ما تسبب لي بتهديدات عبر الصحف والتصريحات. وباعتقادي أن الجميع عادوا إلى عقولهم، وتحلحلت الأوضاع وقبل الجميع بالحكومة. صحيح أن موقفك كان صارماً، ولكن حصل أيضاً توافق دولي في هذا الشأن. - لا أعرف، لم يأتِ أحد من الخارج للتحدث معي بالأمر. آن الأوان لأن نخرج من نظرية التآمر. هناك خيارات تعود إلينا، نحن المسؤولون عن البلد، وأياً كانت مصالح الدول والأطراف الدولية تبقى الخيارات لنا. يعني لو جاءت دولة كبرى وطلبت مني التمديد لولاية ثانية، أقول نعم؟ قيل لي ذلك من قبل كثيراً وحتى خلال آخر أسبوع من ولايتي لكن جوابي كان الرفض. ألم تتدخل إيران مثلاً لدى «حزب الله» في شأن الحكومة؟ - لا، لأن إيران لا تتدخل في ما يخص الأمور المحلية. وأنا لست مقتنعاً بأن إيران تفرض خيارات معينة على «حزب الله» في ما يخص الشؤون اليومية. هي تفرض أموراً على صلة بالاستراتيجية. إذاً، ما الذي جعل «حزب الله» يقبل بصيغة 8 - 8 - 8؟ - المصلحة العامة. الجميع شعر بأننا نتجه نحو الهاوية. و «حزب الله» أخطأ في البداية مثلما أخطأ بقراره القتال في سورية. الجيش لن ينقسم إلى أي مدى يمكن لبنان أن يبقى في وضعه الحالي؟ - للأسف، هناك من زرع في عقول الناس أن الفراغ لا يخيف، وهناك فراغ وماذا بعد؟ هذا بدافع التهشيم بالرئيس. أريد الأخذ بالجانب الإيجابي من الوضع والتمني ألا يؤدي الفراغ إلى مشكلة، لا اقتصادية ولا أمنية. لكن المشكلة الأمنية واقعة؟ - هناك وضع صعب وخطير وسبق أن اجتزنا أوضاعاً بهذه الصعوبة، لأننا في قلب العاصفة الأصولية. وعلى رغم ذلك السلم الأهلي لم يتزعزع. لكن الأحداث المختلفة مثل قضية الشيخ (الفار) أحمد الأسير وأحداث طرابلس وغيرها، لم تؤدِّ إلى استثارة كل السنّة، كما أن تفجيرات الضاحية لم تستثر كل الشيعة ولم يتمدد التشنج. وفي الوقت نفسه، إن الجيش والقوى الأمنية هي محط إجماع من جانب اللبنانيين بعدما كنا عند حصول كل مشكلة في السابق نسمع أصواتاً تحذر من انقسام الجيش، هذا الأمر لم نسمعه الآن. وأعتقد أنه باتت هناك مناعة تحول دون انقسام الجيش مثلما هناك مناعة لعدم انقسام الشعب اللبناني لدرجة الاقتتال. لكنْ، صحيح أننا لم نعد نحل مشاكلنا بالاقتتال الأهلي إلا أننا ما زلنا نحول انقساماتنا السياسية إلى تعطيل والتعطيل غير ديموقراطي. سيأتي وقت نعمل فيه على وضع مجموعة أسس ومقاييس تسهل انتخاب الرئيس. هل تعتقد أن الرئيس المقبل هو قائد الجيش؟ - لا أعرف، الأمر رهن بحصول اتفاق. هناك من يتحدث عن اتفاق ضمني بين أحزاب لبنانية على انتخاب قائد الجيش. - لا مانع لدي من تولي قائد الجيش الرئاسة. أعتبر أن المادة التي تحول دون انتخاب قائد الجيش خاطئة. البلد محشور، لماذا يمكن صاحب المال والنفوذ أن يصبح رئيساً، ولا يمكن ذلك قائد الجيش؟ لا أروج لقائد الجيش ولا فرق عندي. المهم أن يتفقوا، ولكن هذه المادة كان ينبغي أن تعدل. أنت لم تكن على اتفاق مع قائد الجيش حول لائحة الأسلحة المطلوبة من فرنسا في إطار الهبة السعودية؟ - لم أدخل في تفاصيل اللائحة، فهذه مهمة قائد الجيش، وهو محاط بلجنة تضم ضباطاً كفوئين جداً وكنت أسأل فقط عن نوعية المعدات في شكل عام. ولكن، قيل إنك عدلت اللائحة مرات عدة. - غير صحيح، لكن عندما جرى الحديث عن صواريخ مضادة للطائرات ومرتفعة الثمن كانت ستستحوذ على مجمل الهبة، تم تعديل هذا الخيار بصواريخ أصغر حجماً وأقل كلفة وتشكل شبكة متكاملة. والسعودية تسعى من خلال هذه الهبة إلى دعم الجيش بالفعل، ومن جانبي سلمت الهبة بأكملها إلى قائد الجيش. متى سيبدأ تسليم المعدات؟ - ربما في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر. ولا أعلم ما إذا انتهوا من إعداد اللوائح ليبدأ التسليم. صلاحيات الرئيس تردد أنك بصدد تأسيس حزب، ما صحة ذلك؟ - المهم بالنسبة لي ما زرعته خلال ولايتي وما عممته ووضعته في الندوات الدولية ولدى فريق كبير من اللبنانيين. سأحصر هذا بأربعة بنود أتمسك بها وهي سيادة لبنان على سياسته الخارجية عبر رئيس الدولة بالاتفاق مع رئيس الحكومة. وباعتقادي أنني تمكنت من قطع مسافة على هذا الصعيد، إذ بتنا نقول كل ما نريده من دون تحفظ، ونزور من نريد من دون تحفظ، ونستقبل من نريد من دون تحفظ، وأستثني هنا بالطبع إسرائيل. وبعد السيادة هناك «إعلان بعبدا» و «الاسترتيجية الدفاعية» وخلاصات مجموعة الدعم الدولية التي أقرت في باريس والتي يستهتر بها بعضهم، وإذا تم الحفاظ على هذه المسلمات فلن أكون في حاجة، لا إلى حزب ولا إلى أي شيء. وإن لم أتمكن من الحفاظ عليها فسؤسس حزباً وسأفعل كل ما يمكن، فأنا عازم على أن أناضل لهذا الهدف. ومهما قيل، فأنا على تحالف مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط وتمكنا من أن نمنع التصادم بين الأطراف في البلد، ونرى الآن أن هناك كلاماً متبادلاً بين عون و «تيار المستقبل» وهذا ممتاز ومطلوب. تعتقد إذاً أن الحوار سيستمر بين عون و «المستقبل» إن لم يصبح العماد عون رئيساً؟ - إذا كان الحوار مرهوناً بغاية محددة، فيتوقف الحوار إن لم تتحقق، فالخطأ يقع على كلا الطرفين. المهم ما قرره كل طرف قبل بدء الحوار حتى إذا تعذر تحقيق غايته يبقى من الممكن التوصل إلى اتفاق عند منتصف الطريق. ما الذي تتمناه لكي تكون لدى رئيس الجمهورية سلطات أكبر؟ - سبق وتحدثت عن ثماني نقاط في هذا السياق. وعندما يكون الرئيس غير مخول حل المجلس النيابي، ولا حل مجلس الوزراء فإنه ليس رئيساً للجمهورية. ولا أريد أن يكون الرئيس على غرار قراقوش، بل أن تكون لديه صلاحيات مشروطة. هناك في الدستور مادة تقول إنه لا شرعية لما يهدد العيش المشترك، وفي حال تبين مثلاً أن في مجلس الوزراء قسماً لم يعد يتناسب مع العيش المشترك ليس بوسع الرئيس حالياً أن يقدم على شيء. والرئيس يفترض أيضاً أن يكون المشرف على التعيينات هذا لا يعني أن يتحكم بها، بل أن يديرها بدلاً من أن يعمل الوزير على وضع المرسوم في الجارور فيما لا قول للرئيس بذلك. كيف تنظر إلى التمديد للمجلس النيابي؟ - أنا ضد التمديد، ولكن لا أعني ضد التمديد في ظل الفراغ الرئاسي، والجهد ينبغي أن ينصب على انتخاب رئيس وليس على التمديد للمجلس. ولا بد من جهد دستوري رهيب لمعرفة ما يمكن القيام به إذا انتهت مدة المجلس وبقيت الرئاسة شاغرة. وهنا، نلمس مدى أهمية المجلس الدستوري، ونأسف لكونهم عملوا على تعطيله. هل وجدت أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي قابلته أخيراً قلق على الوضع في لبنان؟ - اتصالاتي مع الرئيس هولاند دائمة وهو قلق على لبنان، خصوصاً أن البلد في ظل انتعاش الحركات الأصولية، يشكل نوعاً من زهرة ينبغي الحفاظ عليها، وفي اعتقادي أن هذه الزهرة ستحيا ولكنها في حاجة إلى بعض الدراية. والمسلمون في لبنان لا يريدون التخلي عنها بل العكس. وأحياناً يتراءى إلى ذهني أن المسيحيين هم الذي يحولون المساس بها لمصالحهم الخاصة. والخطأ يكمن في أننا يجب أن نستغل شعور المسلم الراغب من كل قلبه في الحفاظ على بلد التنوع والثقافة وبالإبقاء على الوجه المسيحي حاضراً بوضوح. وهذا ينبغي استغلاله بدلاً من العمل على الخربطة على صعيد الطائف وغيره، بل أن نعمل على تطبيقه بالكامل. الأسد - سماحة ما رأيك بإعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد؟ - أنا عراب عدم التدخل في الشأن السوري. وهذا الموضوع متروك للسوريين أنفسهم. ولكن، أنا عموماً مع تداول السلطة في كل الأمور وكل المناصب. متى شعرت بأن العلاقة بدأت تتدهور بينك وبين سورية؟ - عندما بدأت الأحداث في سورية بقيت على تواصل مع الرئيس الأسد، وكنت بقدر المستطاع أتحدث هاتفياً عن التداول والديموقراطية وقرار الشعب، إلى أن حصلت قصة ميشال سماحة. هذه القصة مهمة جداً، وللتاريخ كان سماحة بمثابة مندوب بيني وبين الرئيس الأسد، ثم جاء وقت بدأ (سماحة) يبدي رغبة في العمل السياسي والإدلاء بمواقف سياسية عندها فضلت اعتماد مندوب آخر. إذ كيف أتصور أن يقدم المندوب بيني وبين الأسد على نقل متفجرات إلى لبنان؟ في حينه شجبت الأمر في ما يخص سماحة من دون تجريم أحد، ولكن جواباً على سؤال صحافي مفاده هل أجريت اتصالاً بالرئيس الأسد أجبت لا، ولكن من المؤكد أنه سيتصل بي. ولمجرد إدلائي بهذا القول توقف العداد ليس من جانب سورية، إنما من جانب قسم من حلفاء سورية، وبدأت الاتهامات والتخوين والقدح. وقولي إنه من المؤكد أنه سيتصل بي لم يكن موجهاً ضد سورية، فأنا كنت اتصلت بالرئيس الأسد عندما حصلت قصة آصف شوكت لتعزيته. وفي اعتقادي أن رد فعل حلفاء سورية ولد إحراجاً للرئيس الأسد، فلم يتصل بي ثم طال الوقت ولم يحصل اتصال. أنت لا ترى أنه جرى استخدام سماحة؟ - أنا حتى الآن لا أوجه اتهامات، والموضوع بتصرف القضاء وطالما لم يصدر حكم قضائي لا أقول شيئاً. وكل ما قصدته بقولي إن الرئيس الأسد سيتصل بي هو الحصول منه على توضيح لما حصل.