يتأرجح لبنان بين مأزق التمديد للبرلمان بسبب رفض فرقاء أساسيين فيه، لا سيما «حزب الله» وحركة «امل»، لإجراء الانتخابات النيابية في فترة قريبة وبين الأحداث الأمنية المتنقلة في مناطقه جراء التداخل بين الأزمة السورية وبين انقسامه الداخلي حول الموقف منها، وكان آخرها قتل 3 جنود لبنانيين في خراج بلدة عرسال البقاعية فجر أمس على ايدي مسلحين مجهولين «فروا الى الجرود المجاورة»، وفق بيان للجيش، فيما ترددت أنباء عن أنهم قد ينتمون الى مجموعة مسلحة سورية كانت تنوي القيام بعمليات تهريب يحول حاجز الجيش في المنطقة التي وقع فيها الحادث دونها. وفيما تعرضت بلدة الهرمل ظهر أمس أيضاً لقصف مدفعي مفاجئ من خلف الحدود مع سورية، فسقط المزيد من الجرحى بعد تشييع عنصر من»حزب الله» سقط في معارك القصير السورية، لقي قتل الجنود الثلاثة في خراج عرسال إدانة سياسية واسعة، بدءاً بأهالي عرسال أنفسهم حيث أقفلت المحال التجارية والمدارس في البلدة تضامناً مع الجيش. كما قطعت بعض الطرقات من قبل أهالي البلدة وقرى أخرى الكثير من جنود الجيش هم من أبنائها احتجاجاً على التعرض للمؤسسة العسكرية. وتراجعت الحركة في عدد من المناطق اللبنانية بفعل الحوادث الأمنية، واعتبر رئيس الجمهورية ميشال سليمان الحادث حلقة من سلسلة الأعمال الإرهابية التي تسعى الى الفتنة. واتصل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، كما فعل سليمان، بقائد الجيش العماد جان قهوجي وشدد على التفاف اللبنانيين حول الجيش مذكراً بقرارات تعطي للجيش صلاحية اتخاذ ما يراه مناسباً. كذلك استنكر الرئيس المكلف تأليف الحكومة تمام سلام الاعتداء داعياً الى التعامل بأقصى درجات الحزم مع الجريمة. وحذر زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من عبث الأيدي المشبوهة بعد اتصاله بقهوجي مستنكراً، وأكد له مؤازرة الجيش في مواجهة أي اعتداء. واعتبر الجريمة مؤشراً الى مخاطر مقبلة. ودعا المجموعات السياسية الى الابتعاد عن زج لبنان في القتال في الداخل السوري. كذلك استنكر الحادث رئيس حزب «الكتائب» الرئيس السابق أمين الجميل، ودان «حزب الله» «امتداد يد الإرهاب والشر» الى الجيش. وخاطب رئيس اركان «الجيش السوري الحر» اللواء سليم ادريس، في تصريح لقناة «العربية»، الرئيس اللبناني ميشال سليمان والامين العام للجامعة العربية نبيل العربي والامين العام للامم المتحدة بان كي مون، و«أضعهم امام مسؤولياتهم، خلال 24 ساعة اذا لم يتوقف هجوم حزب الله على الاراضي السورية فاننا سنتخذ كافة الاجراءات وسنلاحق حزب الله حتى في جهنم». واضاف «اذا لم يتخذ قرار وينفذ بوقف الهجوم على الاراضي السورية، فانا في حل من اي التزام معهم. انا لا استطيع ان اضبط المقاتلين اكثر من ذلك». وبينما عاد الهدوء النسبي الى مدينة طرابلس على رغم مناوشات ليلية خلّفت جرحى، دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري هيئة مكتب المجلس الى اجتماع قبل ظهر اليوم للبحث في جدول أعمال الجلسة العامة التي يتوقع أن يدعو إليها بعد ظهر الجمعة المقبل والتي يرجح أن تبحث في اقتراح التمديد للبرلمان الحالي بحجة تعذر إجراء الانتخابات النيابية بفعل الأوضاع الأمنية وعدم الاتفاق على قانون انتخاب جديد... خصوصاً أن النائب نقولا فتوش ضمن اقتراح قانون في هذا الخصوص، أن يكون لمدة سنتين، فيما جرت المفاوضات خلال الأيام الماضية على مدة تراوح بين 14 و18 شهراً. والتقى رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بري، وقال إن البحث تناول الخروج بتفاهم ينعكس إيجاباً في لبنان والمنطقة، مشيراً الى أن «علينا التفتيش عن طريقة لإجراء الانتخابات النيابية في موعد ليس ببعيد». وأكد تفهم موقف الرئيس سليمان (الذي سيطعن بتمديد يتجاوز الستة أشهر للبرلمان). وفشلت جهود «حزب الله» و «أمل» في إقناع زعيم «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي العماد ميشال عون بالتمديد، وأفادت المعلومات بأنه طرح شروطاً منها ضمان عدم طرح التمديد لسليمان عند نهاية ولايته في أيار (مايو) 2014 وعدم التجديد لقائد الجيش العماد قهوجي. وقال عون إنه «لا يمكن الجلوس في جلسة نيابية فيها أكثرية متنكرة لحقي» (بإقرار قانون اللقاء الأرثوذكسي) ملمحاً بذلك الى إمكان مقاطعته الجلسة النيابية، ثم أردف بأنه سيحجب صوته عن التمديد للبرلمان. وعلمت «الحياة» أن بري أبلغ السنيورة أنه مع التمديد للبرلمان لعام وأشهر عدة وأن «حزب الله» يتواصل مع عون وأنه ينتظر منه في خلال ساعات قليلة جوابه النهائي على التمديد. وأكد السنيورة موقف «المستقبل» المؤيد للتمديد، لكنه حذّر من أن يؤدي الى اصطفاف إسلامي داعم له مقابل معارضة مسيحية، في ظل خشية من أن يزايد عون على الأطراف المسيحيين الآخرين الذين قد يضطرون الى إعادة النظر في موقفهم المؤيد للتمديد ومقاطعة الجلسة النيابية. وشدد السنيورة على أهمية توافر ما يشبه الإجماع على التمديد. وقال: «نتواصل مع حلفائنا وحزب الكتائب مؤيد والقوات اللبنانية تدرس الموقف على أمل بلورة توجه موحد لقوى 14 آذار، لكن هذا يتطلب العمل الحثيث مع عون لقطع الطريق على مزايداته كما فعل عندما طرح مشروع اللقاء الأرثوذكسي». وعلم أن قوى 14 آذار اجتمعت ليل أمس وتدارست الموقف النهائي الذي ستتخذه، بعد أن تكون أعلمت بالجواب النهائي لعون. وأكد السنيورة لبري «لن نتخلى عن حلفائنا المسيحيين ولا يمكن أن نقبل بحصول اصطفاف إسلامي – مسيحي ونحن عندما نأخذ موقفنا نأخذه بالاتفاق معهم وليس بمعزل عنهم». وقالت مصادر نيابية إن بري شدد خلال الاجتماع على الظروف الأمنية وقال للسنيورة: «إذا كان البلد بألف خير يتوتر حين تجرى الانتخابات فكيف والوضع المتفجر في طرابلس، والأزمة السورية وارتداداتها، واليوم صباحاً استيقظنا على حادث عرسال؟ هل يمكن أن تحصل الانتخابات في هذا الجو؟». وشدد بري على أن التمديد غير مرتبط بأي موضوع آخر.