الظروف الأمنية غير مُستقرّة. الأوضاع الاقتصادية صعبة. الأنشطة الثقافية مُتقلّصة. اللغة الإنكليزية في تقدّم. الأجيال الناشئة تتحاشى الكتاب الورقي وتتجّه نحو التكنولوجيا... هذه حقائق يعيشها المجتمع اللبناني منذ عقدٍ وأكثر. انها أسباب وجيهة لإفشال أي مشروع بحجم «صالون الكتاب الفرنكوفوني» في بيروت. إنما واقع هذا المهرجان الثقافي لا يعكس تأثراً بالمستجدّات المُعاكسة. بل إنّ وهجه يزداد عاماً بعد عام. كبار الكتّاب يرغبون في المشاركة. نسبة العارضين في تصاعد. والقرّاء الفرنكوفونيون ينتظرون المهرجان السنوي الناطق بلغة لسانهم وثقافتهم، وقلبهم، ربما. الاحتفالية الثقافية هذه خرجت عام 1992 من رحم الدمار الناجم عن حرب أهلية دامية لتُعيد الأمل والنور إلى وطنٍ غرق في ظلمة الجهل والتعصّب والقتال مدّة 15 عاماً. وها هو «صالون الكتاب الفرنكوفوني» في بيروت اليوم، يحتلّ المرتبة الثالثة في العالم بعد باريس ومونتريال. في الدورة الحالية، توقّف الصالون عند الأحداث الهائلة التي شهدها الشارع العربي هذه السنة جرّاء الثورات التي غيّرت أنظمة وأزالت حُكّاماً. فاتخذّ المعرض من «كلمات الحريّة» عنواناً رئيساً له. «الربيع العربي» تراه يُزهر، على امتداد صالات العرض، ندوات وقراءات ونقاشات وطاولات مُستديرة؟ هو إذاً موضوع (تيمة) المعرض الأساسي في دورته الثامنة عشرة. ومن حوله تدور عناوين أخرى يتناولها أيضاً باهتمام واسع مثل: «البيئة» و «فنّ الكتابة» و «مسيحيو الشرق» و «أسرار العائلة والتاريخ»... المعرض الذي يُقام في «البيال»-بيروت، بتعاون مُشترك بين المعهد الفرنسي التابع للسفارة الفرنسية في لبنان ونقابة مستوردي الكتب، اختار بلجيكا لتحلّ ضيفاً عليه في دورته هذه. وأتى اختيار «بلجيكا» تكريمياً نظراً للدور الفعّال الذي لعبته وتلعبه في مختلف المعارض والأنشطة الفرنكوفونية حول العالم. فتمّت استضافة 10 كتّاب و25 ناشراً من بلجيكا يكرّسون جميعهم الدور المركزي لبلدهم في تطوير مفهوم الثقافة في مختلف أوجهها من كُتب ورقية إلى نصوص فنية ورسوم متحركة وأفلام وثائقية. وتُشارك رومانيا في المعرض الحالي للمرّة الأولى في تاريخها. مع الإشارة إلى أنّها شاركت في الألعاب الفرنكوفونية بمناسبة «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» عام 2009. وقد تمّت بالمناسبة دعوة كاتبتين رومانيتين تكتبان بالفرنسة هما: دانيلا زيكا وفيلاد زوغرافي. واللافت في هذه الدورة التركيز الكبير، إلى جانب الكتب طبعاً، على الرسوم الإيضاحية والمُتحركة والصور والأفلام التي تهمّ زوّار الصالون وخصوصاً الشباب. هناك معرض «في قلب غاباتنا» البيئي. فيه تُعرض للمرّة الأولى صور فوتوغرافية تُبرز ثروة لبنان الحرجية وتنوّع غاباته المُهدّدة بالانقراض بعدما تقلّصت نسبتها إلى 7 في المئة فقط من مساحة لبنان «الأخضر». وهناك عرض يومي للأفلام، فضلاً عن حفلات موسيقية يُحييها طلاّب الكونسرفتوار الوطني العالي للموسيقى. أمّا المحطّة الأبرز في الصالون فتتمثّل في «معرض غاليمار: قرن من النشر 1911 و2011». إذ يختصر هذا الجناح تاريخ إحدى أهم وأكبر وأشهر دور النشر الفرنسية التي ارتبط اسمها بكبار المفكرين والمؤلفين والمثقفين في فرنسا. 130 كاتباً و 58 دار نشر هم أبطال صالون الكتاب الفرنكوفوني في بيروت (من 29 تشرين الأول/ أكتوبر الى 6 تشرين الثاني/ نوفمبر). هم أكثر عدداً من العام الفائت. وهذا مؤشر إيجابي في المرحلة الأولى. إلاّ أنّ نسبة الزوّار لا تنكشف إلاّ بعد انتهاء المعرض. ومن الكتّاب والناشرين والفنانين المشاركين في صالون الكتاب الفرنكوفوني 2011 نذكر: فرنسوا شويتن وفيليب برثيت وجاك فرنانديز ومارك ليفي وسمير فرنجية وألكسندر نجّار وشريف مجدلاني وزينة أبي راشد وخالد الخميسي وحنان الشيخ ومها الحسن.