من «يد» السفارة الفرنسية إلى «يد» نقابة مستوردي الكتب. ومن «بيروت هول» إلى مركز «بيال». ومن معرض لبيع الكتب الفرنسية إلى تظاهرة ثقافية حاشدة يتخللها الكثير من الندوات والمناقشات واللقاءات... كلّ هذه التغيرات التي طرأت على «صالون الكتاب الفرنكوفوني» خلال سبع عشرة سنة لم تؤثّر يوماً في اعتباره أهمّ مُلتقى ثقافي لعشّاق لغة موليير في لبنان والشرق الأوسط والثالث من حيث الأهمية في العالم بعد معرض باريس ومونتريال. هذا العام، عاد «صالون الكتاب الفرنكوفوني» في موعده السنوي إلى لبنان حاملاً معه أنشطة كثيرة تمثلّت باستضافة 130 كاتباً فرنكوفونياً التقوا جميعهم تحت عنوان واحد «كلمات المتوسّط». وقد دارت المعارض واللقاءات الندوات وجلسات الحوار في فلك ثيمة «المتوسّط» التي لاحت بطيفها قبل عامين في الصالون ذاته عندما جاء تحت عنوان «الحوار الأورو- متوسطي». وتحمل هذه العناوين في طيّاتها تناغماً مع طابع لبنان كمحرّك أو بالأحرى كمرّوج للفرنكوفونية في الشرق الأوسط. ضم الصالون هذه السنة سبعة معارض فنية قُدّمت في أروقة مختلفة، وكان أبرزها على الإطلاق «معرض ألبير كامو» الذي احتضنه الجناح الخاص بالسفارة الفرنسية لمناسبة مرور 50 عاماً على رحيل صاحب «الغريب». أمّا غياب دور النشر الفرنسية والفرنكوفونية عن هذا الصالون وحلول المكتبات اللبانية التي تعنى بالكتاب الفرنسي مكانها، فكان مثاراً للتساؤل، الأمر الذي برّره رئيس البعثة الثقافية في السفارة الفرنسية أورليان لوشوفالييه بأنّ «تبنّي «نقابة مستوردي الكتب في لبنان» عملية تنظيم المعرض بدلاًَ من السفارة الفرنسية ساهم في ذلك نظراً إلى علاقتها المباشرة مع المكتبات». ولا شكّ في أنّ «تسعير» الكتب الفرنكوفونية ب «اليورو» أدّى إلى إطلاق صرخة ظلّت محبوسة في حناجر الزوّار الفرنكوفونيين الذي اكتفى بعضهم بالتجوال بين أجنحة المعرض بدل اقتناء أكبر كمّ من الكتب الجديدة والمهمّة. وعن ارتفاع أسعار الكتب نوّه لوشوفالييه أنّه سيُجري دراسة معمقة حول هذا الموضوع لإيجاد الحلول المناسبة للسنة المقبلة واعتبر أنّ لا بدّ من رصد كلّ الأخطاء والمشاكل التي يمكن أن تكون قد صادفت المعرض لهذا العام من أجل تفاديها في العام المقبل. لكنّ لوشوفالييه استغلّ السؤال حول مسألة ارتفاع أسعار الكتب في ظلّ الوضع الإقتصادي المرتبك الذي يعيشه اللبناني اليوم لتوجيه النقد إلى عقلية اللبناني الذي يتغاضى عن غلاء أسعار الملابس والسيّارات والمطاعم وأي سلعة تجارية أخرى ليتوقف عند سعر الكتب والمنتجات الثقافية فقط. ورأى أنّ فكرة الكتاب بجب أن تُعمّم أكثر من ذلك في بلد مثل لبنان، وخصوصاً لدى الأطفال وأن يُتعَامل مع الكتاب على أنّه رفيق دائم للكبار وهدية جميلة للأطفال من أجل تمرينهم على المطالعة بدل قضاء ساعات طويلة ومضرّة أمام جهاز التلفزيون والكومبيوتر. وحيال مثل هذا المهرجان الثقافي الفرنكوفوني الكبير نجد أنفسنا أمام سؤال يطرح نفسه بإلحاح: «ما هو مستقبل اللغة الفرنسية في لبنان؟». فالعالم كلّه يشهد اليوم انصياعاً للإنكليزية المنطلقة بلا هوادة في مختلف أنحاء العالم عبر «العولمة» وتجلياتها من الإنترنت الى الفيس بوك والتويتر وغيرها. أمّا لبنان الذي كان يُعتبر معقل الفرنكوفونية في الشرق الأوسط فصار يتجّه شيئاً فشئياً نحو المدارس والجامعات ذات المناهج الإنكليزية. وعن تأثير هذا الأمر على نسبة المشاركة في الصالون رأى لوشوفالييه أنّ «اللغة الفرنسية مازالت حيّة وموجودة ومنتشرة بين اللبنانيين على رغم انتشار الإنكليزية في لبنان والعالم». ورأى أنّ نسبة المشاركة هذا العام كانت كبيرة حداً وخصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع. وأضاف أنّ الأرقام والإحصاءات ليست جاهزة بعد إلا أنّ الدراسة التقييمية التي قارنت عدد زوّار المعرض في الأيام الثلاثة الأول مع العدد خلال السنتين الأخيرتين، أكدّت أنّ نسبة الزوار لهذه السنة كانت أعلى من السنة الماضية، وهذا مؤشّر جيّد». الأرقام حول نسبة المشاركة والمبيعات إذاً ليست جاهزة بعد، وإنما البعثة الثقافية أبدت رضاها وسعادتها بمستوى المعرض لهذا العام ونسبة التفاعل معه، وهذا ما يكرّس مرّة جديدة ميزة اللبناني المؤمن بالتعدّد اللغوي والتنوّع الثقافي... وبعيداً من صراعات «الفرنكوفونية» و»الأنغلوفونية» وحسابات هذه اللغة أو تلك، نرى أنّ الكتاب يجب أن يحافظ على قيمته بمنأى عن هويته ولغته حتى يتكرّس مفهوم «القراءة» في شكل أكبر في مجتمعاتنا العالقة بين قوسي سوق «التجارة» وثقافة «الإستهلاك» السائدة.