وداعاً طفل أوروبي يدعى مايكل يركب الباخرة من سريلانكا الى إنكلترا، ثم يهاجر الى كندا ليصبح كاتباً. تماماً مثل مايكل أونداتشي، كاتب الرواية، لكنه ليس إياه وفق ملاحظة للمؤلف. مع ذلك تجمع الرواية السادسة للكاتب الكندي الحقائق والخيال، وترصد الانتقال بين عمرين وحضارتين خلال رحلة تستغرق ثلاثة أسابيع. يضع بطل «طاولة الهر» الصادرة عن دار كيب، بريطانيا، كتيّب امتحانات فارغاً وخريطة للعالم في حقيبته الصغيرة، ويودّع البلاد التي ولد فيها. يلتقي ابن الحادية عشرة طفلين من عمره على الباخرة، ويزوغ معهما. يجد أن مكانه في غرفة الطعام على «طاولة الهر» الأكثر من غيرها بعداً من مائدة القبطان المرغوبة. حين ينظر خلفه بعد عقود لا يتذكر أي «دمغة خارجية أو إدراك لنفسي». لكن قريبته المراهقة إميلي، التي رافقته في الرحلة، تقول إنه كان شيطاناً حقيقياً تسبّب بكثير من المشاكل. وقف صديقه كاشوس مبهوراً أمام جدارية لعارية داخل السفينة، ومنح مايكل العزاء حين رسم مشاهد من الرحلة بعد تحوّله فناناً مشهوراً. غطسا في بركة «أورونساي» لالتقاط ملاعق فضية رماها النادل. دهنا أيديهما وأرجلهما بالزيت لينزلقا على قضبان الدرج. وكادا يغرقان حين ربطا نفسيهما بالسلاسل الى السفينة حين هبّت عاصفة قوية. غيّرت الرحلة حياة مايكل وإميلي ومس لاسكيتي والمليونير المصاب بلعنة والسجين المربوط بالسلاسل. حملت مس لاسكيتي، التي عملت للاستخبارات، قفص عصافير، وارتدت سترة كثيرة الجيوب لتضعها فيها. انعزلت أسونثا شبه الصماء واحتفظت بسر ومالت الى التخريب. خبأ مستر دانييلز كمية ضخمة من النبات الطبي السام في قعر السفينة. انتعلت فتاة أسترالية مزلجين وانزلقت على أرض الباخرة فسحرت الفتيان وأخافتهم في آن واحد. تلصّصوا على السجين حين تدرّب ليلاً تحت أعين حرّاسه، وربطته قصته المخيفة ببضع مسافرين. رمى راهب السير فكتور دي سيلفا بلعنة فعضّه كلب مسعور. فضّل العلاج في إنكلترا وإن انتظر واحداً وعشرين يوماً، فتوفي خلال الرحلة، وبهت لقبه ومجده حين رميت جثته في البحر. هاوٍ للفن يقول إن إحدى جدارياته الباهظة الثمن تبدو تقليدية، لكن الفن ليس كذلك على الإطلاق. يرفع طرفها ويتأمّل ألوانها الزاهية قائلاً إنها أبقت مئة امرأة بلجيكية حيّة في شتاء 1530. «هذا ما يعطي مشهد الجدارية العاطفي الحقيقة والعمق». يسترجع أونداتشي ماضي سيلان الجميل حين أضاف أهلها شريطاً من الذهب الى معجون الحامض والهال في الأعراس، وملأوا زجاجة بمياه نهر كيلاني لتجلب الحظ. يقول الكاتب إن براءة الفتيان عرّتهم، ويتكرّر إحساس مايكل بالتغيير الذي يحدث له. «اعتقدت أنهم أحبوني لأنهم كانوا يغيّرونني». سيجد أن الغرباء وحدهم و «طاولات الهر» المختلفة في حياته من لن يقبلوا به كما هو، ويحاولون تغييره. يقتصد أونداتشي لغةً وصوراً، لكن استعاراته تتكثّف في وعي القارئ. السفينة تشبه دبوس صدر طويل. أسونثا تقفز على الترامبولين وسط الفضاء الصامت حولها. والبحر يتدفّق على الباخرة وسط نور غزير غير متوقع. الرابعة صباحاً في أواخر الألف الثاني قرأ روبرت هاريس كتاباً لبيل غيتس أثار اهتمامه. قال مؤسّس مايكروسوفت إنه سيأتي يوم يعرف المقر الرئيس لمطاعم ماكدونالد في أميركا الوقت الذي تباع فيه «بيغ ماك» في محلة نيوبيري الصغيرة في بريطانيا. لم يجد الكاتب طريقة لاستخدام الفكرة روائياً الى أن انهارت الأسواق في 2008. أيهما كان الأكثر إثارة للذعر: أن يتحكّم بالمصارف رجال يدخنون السيجار، أو الكومبيوتر وأخصائيو الرياضيات؟ شاء هاريس كتابة رواية عن شركة تستقلّ بحياتها، وتفوق موظفيها ذكاء. بطل «مؤشر الخوف» الصادر عن دار هتشنسن، بريطانيا، فيزيائي أميركي متزوج من فنانة إنكليزية، وتتجاوز ثروته البليونين. يؤسّس صندوق تحوّط في جنيف، ويبتكر طريقة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بحركة الأسواق بدقة تفوق قدرة البشر. يتوقف في روايته عند الانهيار السريع لأسعار الأسهم الأميركية في 2010 التي فقدت ألف نقطة من قيمتها ثم استعادتها خلال دقائق بفضل التعامل الآلي. يحلّل السوبر كومبيوتر معطيات السوق وتأثير الأنباء عليه، ويتغذى بالخوف فيتوقع بيع الأسهم قبل أن يقدم المتعاملون عليه. الدعاية للرواية تركّز على عبارة غير صحيحة بالضرورة. «قد يكون الخوف أقوى العواطف البشرية. من الذي استفاق في الرابعة صباحاً لأنه كان سعيداً؟» رواية هاريس الثامنة صورة أورويلية عصرية للسيطرة على المجتمع والتحكم بالفرد. سيطرة الكومبيوتر على الأسواق، يقول، لا تتعلق بتحليل المعلومات فحسب. طوّر عالم المال الذكاء الاصطناعي في العقدين الأخيرين، وشعر الكاتب حين زار صندوقاً للتحوّط أنه يستطيع كتابة رواية عن طغيانه في الحاضر وليس المستقبل البعيد. استخدم الصندوق الحساب العشري الذي ابتكره الخوارزمي، واستند التعامل الى صيغ رياضية معقدة تستغل أصغر الفوارق في الأسعار. كثيرون ممن يعملون في القطاع المالي لا يفهمونه، فكيف بالأفراد والحكومات؟ كتب روايات تاريخية وسياسية أكثر مبيعاً، وتحايل على موضوعه غير الجذّاب بملاحقة بطله منذ اللحظة التي يستيقظ فيها. يقفز مؤشّر الخوف لدى ألكزاندر هوفمان حين يتعرّض لاعتداء فعلي في قصره وآخر إلكتروني لا يتّضح صاحبه. تدور الأحداث يوم الانتخابات البرلمانية البريطانية الأخيرة في ربيع 2010 التي أنهت حكم حزب العمال، وأتت بتحالف المحافظين والديمقراطيين الليبراليين الى 10 داوننغ ستريت. أحب حزب العمال رجال المال، يقول، وأكملوا سياسة مارغريت ثاتشر التي جعلت بريطانيا سنغافورة أوروبا بتركيزها على الخدمات المصرفية. لكن وظيفة السياسيين لا تعني العلاقة الحميمة بالأغنياء الكبار. «لا نتحدّث عن هنري فورد أو بيل غيتس، بل عن مقامرين. نقلوا العدوى الى حضارتنا كلها». ميلاد سعيد تحتفي إنكلترا بالرجل الثاني في أدبها في الذكرى المئوية الثانية لولادته في 7 شباط ( فبراير). ثلاث سيرات عن تشارلز ديكنز (1812- 1870)، كتاب للممثل سايمن كالو عن حب الكاتب للمسرح، اقتباس تلفزيوني على «بي بي سي» ل «آمال كبيرة» و «لغز إدوين درود» وفيلم عن علاقته الطويلة بالممثلة إلن ترينان. متحف لندن يفتتح في كانون الأول (ديسمبر) معرض «ديكنز ولندن» الذي يدوم عاماً كاملاً. متحف الكاتب يخضع للتجديد. يقدم المسرح «نساء ديكنز» و «حياة المسيح». تخصّص مؤسسة الفيلم البريطاني كانون الثاني (يناير) المقبل للأفلام المقتبسة من أدبه، وتصدر دار صك العملة الملكية نقوداً خاصة به. في «التحول الى ديكنز: اختراع روائي» الصادر عن مطبعة هارفرد يركّز روبرت دوغلاس - فرهرست على أدبه الباكر، ويقول إنه استمدّه من الحياة التي هرب منها. خلال عمله الشاق في معمل دباغة الأحذية، وهو في الحادية عشرة، كان يمكن أن يتحول لصاً أو شريداً صغيراً كما قال لاحقاً. كانت «أوليفر تويست» نتيجة هذا الاحتمال، وكذلك كاتب المحامي الذي تكرّر ظهوره في أدبه بعدما ترقّى الى هذه الوظيفة خلال صعوده الاجتماعي الأليم. هجس بالمسرح خلال ممارسته هذه الوظيفة، وقصده كل مساء طوال ثلاثة أعوام. حين تحوّل مندوباً صحافياً في البرلمان اكتسب احتقاراً دائماً لما سمّاه «كومة النفايات الكبيرة». أحب ماريا بيدنل، ابنة الأسرة المصرفية الثرية، لكن أهلها رفضوه لفقره، فمنحه الإذلال تصميماً على النجاح. تشدّد كلير تومالين في «تشارلز ديكنز: سيرة» الصادر عن «فايكنغ» على طاقة الكاتب العجيبة الذي انتقل من نشاط الى آخر، وصعب التصديق أن شخصاً واحداً يؤديها كلها. كتب الروايات والمقالات وأربعة عشر ألف رسالة، وعمل رئيس تحرير ومستشاراً لمؤسسات خيرية، وحرّض على إصلاح السياسة والسجون والصحة والإسكان والسفر والفن ونظام التصريف الصحي. استضاف الأصدقاء، اهتمّ بتعليم أطفاله، جمع التبرعات لقضاياه، وأسّس مركزاً لبنات الهوى المعتزلات، وصرف ما تبقى من طاقته في السير نحو عشرين كيلومتراً. معاصره الكاتب لي هانت فرح بلقائه، ورأى في وجهه حياة خمسين إنساناً وروحه. على رغم إيمان تومالين بعبقرية ديكنز ترفض الكثير من أعماله. «بارنابي رادج» و «أزمنة صعبة» فاشلتان، الربع الأخير من «نيكولاس نيكلبي» والنصف الثاني من «دومبي وابنه» لا تمكن قراءتهما و «الكريكيت على المدفأة» حماقة. تعجب تومالين بمساعدته الغرباء مادياً ومعنوياً حتى حين كان كثير الالتزامات وفي حاجة الى المال. تفصّل تكليفه محامياً الدفاع عن خادمة شابة اتهمت بقتل وليدها، وإنقاذه إياها من الإعدام. وحدها زوجته عجزت عن إثارة عطفه وعاطفته. رغب في إنجاب ثلاثة أطفال فقط، لكنه لم يهتم بمعرفة طرق منع الحمل فانتهى بعشرة. رافقته كاثرين بعد ولادة الطفل الرابع الى أميركا حيث التقطت النساء خيوطاً من فرو معطفه، وحدّق فيه الأميركيون بطريقة أحس معها أنهم رأوا الماء يهبط في بلعومه كلما شرب. امتدح قدرتها على التكيف مع تعب السفر، لكنه بدأ مولعاً بشقيقتها ماري عندما انتقلت الى بيتهما للمساعدة. عبدت ابنة السادسة عشرة صهرها الشهير، وكان يعانقها حين توفيت بعد عام لسبب مجهول. وضع خاتمها في إصبعه طوال حياته، وأوصى بدفنه قربها. عشق الممثلة إلن ترينان حين كانت في السابعة عشرة وهو في الخامسة والأربعين، وتجزم تومالين أنه نام معها خلافاً لاعتقاد كتاب نشروا سيرته. انفصل عن كاثرين المفرطة البدانة، ولم تدع الى جنازته، لكنها احتفظت برسائله وأوصت ابنتها كيتي بنشرها دليلاً على حبه. في 1862 ذكر فيودور دوستويفسكي أن ديكنز أخبره أن الأشرار في رواياته يمثلونه هو. «كان هناك شخصان داخله (...) واحد يشعر بما يجب أن يشعر به وآخر يحس بالعكس تماماً». مايكل أونداتشي تشارلز ديكنز