سبقت عروض مسلسل الخيال العلمي الأميركي «تيرا نوفا»، واحدة من اكبر الحملات الاعلامية لمسلسل تلفزيوني في السنوات الاخيرة. تلك الحملة لم تكتف بالقنوات الاعلانية التقليدية، بل اتجهت، وكما يحدث كثيراً هذه الأيام، الى شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، التي حفلت بالأخبار عن المسلسل، وخصوصاً بعد توزيع الدعاية الخاصة به على وسائل الإعلام، وقبل أسابيع من عرضه في أميركا وأوروبا، الأمر الذي ضاعف من التوقعات والتكهنات عن المسلسل الذي سيغير نظرتنا الى مسلسلات التلفزيون، كما جاء في تلك الدعايات. ركزت الحملات الإعلانية تلك على الكلفة الخاصة بالمسلسل المؤلف من 13 حلقة، والتي تقول قناة «فوكس» المنتجة له، إنها تعدَّت كلفة أي مسلسل في تاريخ التلفزيون، إذ وصلت الى نحو 50 مليون دولار، أي أن كل دقيقة من المسلسل كلفت ما يعادل 240 الف دولار. فهل تستحق دقيقة من «تيرا نوفا» كل هذه الأموال؟ احتفال بالمؤثرات البصرية الانطباع الذي تكوِّنه الحلقتان الافتتاحيتان يقول «لا»، بل يمكن الجزم بأن الحلقات المقبلة لن تحمل ما يمكن ان يغير هذا الانطباع، لاسباب تخص الاتجاه الذي اختاره الذين يقفون خلف المسلسل، بالاحتفال بالمؤثرات البصرية على حساب الشخصيات، والتي جاءت نمطية للغاية، تتحرك ضمن مسارات معروفة سابقة، كرستها عقود طويلة من الدراما العاطفية العادية، فتفاصيل الحلقتين تبدو وكأنها مأخوذة او مستوحاة من اعمال تلفزيونية سينمائية سابقة. ولا يخلو المسلسل من الإبهار والمَشاهد السينمائية الواسعة، الامر الذي يشير الى إن معظم الاموال ذهبت الى قسم التقنيات والمؤثرات، بل إن البداية القاتمة عن كوكب الارض في عام 2049 والذي سيدمره التلوث، كانت تَعِدُ بمسلسل مهموم بقضايا العالم المعاصرة، لكنْ ما إن تبدأ القصة بالتركيز على العائلة، التي ستكون محور اهتمام المسلسل، حتى يفقد المسلسل أيَّ هوية خاصة، ليشبه عشرات، بل مئات الافلام والمسلسلات العادية، عن كوارث فضائية وأخرى يتسبب بها الإنسان، تحل على الارض بتركيباتها المعروفة. لا يبقى المسلسل، الذي أنتجه المخرج المعروف ستيفن سبيلبرغ، في الزمن الذي انطلق منه، بل يعود ملايين السنوات الى الماضي، فالعائلة التي يعاقَب الأب فيها لأنها خالفت النظام وأنجبت طفلاً اضافياً، متجاوزةً ما يسمح به القانون، تختار العودة الى زمن سحيق، عن طريق مشروع يرسل الراغبين، من دون امكان العودة، 85 مليون عاماً الى الوراء، وما إن تصل العائلة هناك حتى تبدأ المتاعب، فالبشر يحملون شرورهم الى الارض البكر. كذلك يشارك سكان الارض الجديدة الديناصورات. يشبه كوكبُ الارض في المسلسل ذلك الذي ابتكره المخرج جيمس كاميرون في فيلمه الشهير «أفاتار»، بل إن أحد نجوم الفيلم المذكور، ستيفان لينغ، موجود في الأرض هناك، ولكن هذه المرة كشرطي طيب يبحث عن ابنه المختفي في «تيرا نوفا»، والتي تعني الارض الجديدة في اللغة اللاتينية. مخرجو السينما الى التلفزيون المخرج الاميركي مارتن سكورسيزي صرح أخيراً، أن عدداً من مخرجي السينما سيتوجهون للتلفزيون بسبب الحرية والإمكانات التي توفرها بعض القنوات التلفزيونية لإنتاج اعمالهم. يمكن ان تكون هذه الخطوة دفعة قوية للإنتاج التلفزيوني المتميز إذا انتبه هؤلاء الى الفروقات الجوهرية بين التلفزيون والسينما، والزمن الدرامي المخصص للوسيلتين، والتوقعات التي يحملها مشاهد التلفزيون، والتي تختلف عن تلك التي تخص المتوجهين الى صالات السينما. باختصار، ربما سيجد مسلسل «تيرا نوفا» جمهورَه الخاص في الولاياتالمتحدة وحول العالم، لكنه لن يكون الجمهور نفسه الذي يتابع، ومنذ 15 عاماً، مجموعة المسلسلات الأميركية الرائعة التي تعج بها الشاشات، فالتميز المدهش الذي احاط تلك الاعمال، يعود الى جرأتها في تقديمات مبتكرة لقصص عادية احياناً، وأيضاً لاهتمامها الشديد في تقديم شخصياتها، حتى تحولت شخصيات منها الى أيقونات تلفزيونية، لن يطويها النسيان سريعاً.