لم تعد تعابير من قبيل «لغة تلفزيونية»، «أسلوب تلفزيوني»، «طريقة تلفزيونية»...غريبة في قاموس نقاد السينما، وهذه التعابير، إلى جانب تعابير ومصطلحات ومفردات أخرى طبعاً، تستخدم للتدليل على رداءة هذا الفيلم السينمائي أو ذاك، وكأن الأسلوب التلفزيوني «خطيئة بصرية» لا بد للعاملين في المجال السينمائي من الترفع عنه. وفي حين يمكن لسهرة تلفزيونية متقنة أن تضاهي في قيمتها الفنية والبصرية فيلماً سينمائياً متواضعاً، فإن استخدام هذه التعابير يعد إهانة مسبقة للتلفزيون، وموقفاً سلبياً منه، علماً أن الفروق راحت تتضاءل بين التلفزيون والسينما، إذ نجد أن كثراً من التقنيين والفنانين والمخرجين يعملون في الحقلين معاً، ويندر أن تجد ممثلاً أو مخرجاً يقتصر عمله على التلفزيون دون السينما أو العكس. ومع الإقرار بأن ثمة تباينات كثيرة بين السينما والتلفزيون، وهذه التباينات نابعة، كما هو معروف، من طبيعة العرض التلفزيوني الذي يوجه للملايين، وسط الضجيج وصخب المنازل، في حين تتوجه السينما إلى نخبة معينة تختار ارتياد صالة معتمة والإنصات بانتباه كامل إلى فيلم سينمائي، فإن السينما أكثر حرية وجرأة وعمقاً... في تناول قضايا قد لا يجازف التلفزيون في الخوض فيها لاعتبارات دينية وسياسية وأخلاقية... إلا أن هذا الكلام كاد يصبح جزءاً من الماضي ومن الذاكرة، ذلك أن أعداد من يتلقى الفيلم السينمائي عبر شاشة التلفزيون، في وقتنا الراهن، تفوق بأضعاف أولئك القلة التي ترى الفيلم ذاته في قاعة سينما، وهذه لها أسباب كثيرة ليس هنا مجال مناقشتها. بيد أن هذه الحقيقة أحدثت تغييراً في ذهنية صناع الفيلم السينمائي الذين يدركون، مسبقاً، بأن فيلمهم لن يعرض في الصالات بعد مرور سنتين أو ثلاث على إنتاجه، وبأن هذا الفيلم سيدخل البيوت عبر الفضائيات، وهم بالطبع لا يستطيعون الاستغناء عن الأثمان التي تدفع لهم في مقابل ذلك، ومن هنا اضطروا إلى مراعاة الكثير من الاعتبارات بحيث يستطيع هذا الفيلم الوصول إلى هذه المحطة التلفزيونية أو تلك بلا أية قيود رقابية، ولذلك نجد أن الكثير من الأفلام السينمائية التي تنتج حديثاً لا تبدو أكثر جرأة وفنية من «الدراما التلفزيونية». العاملون في الإنتاج الدرامي التلفزيوني، بدورهم، راحوا يرتقون بأعمالهم، ويسعون إلى توظيف جماليات السينما في المسلسل التلفزيوني، خصوصاً ان كثيرين منهم درسوا السينما أساساً ولم يجدوا أمامهم فرصاً سوى في التلفزيون. وهذه المصالحة والتقارب بين التلفزيون والسينما تحيلنا إلى مستهل هذا المقال، وتجعل من تلك التعابير التي راحت تشاع في قاموس النقد السينمائي مجرد تنظير واه لا علاقة له البتة بما يجرى على أرض الواقع... قد تجد الفن هنا وقد تجده هناك، أما الانحياز المسبق لأحدهما دون الآخر فهو مجرد وهم يعيش في أذهان الذين لم يغادروا بعد عقود ازدهار السينما عندما كان التلفزيون غائباً، أو كان وافداً جديداً لا يقوى على المنافسة!