اذا كانت السينما الهوليوودية التفتت في السنوات العشرة الاخيرة، الى مسلسلات تلفزيونية حديثة وقديمة وحولتها الى افلام ناجحة تجارياً، ومن ابرزها فيلم «الجنس والمدينة» الذي يكمل قصة المسلسل التلفزيوني الذي عرضته قناة «اتش بي او» بالاسم ذاته، فإن التلفزيون في الغرب بقي بعيداً بشكل عام عن استلهام افلام ناجحة وتحويلها الى مسلسلات تلفزيونية. تستثنى هنا بالطبع الافلام والمسلسلات التي قدمت القصص ذاتها، والمأخوذة غالباً من روايات ادبية او مسرحيات. من هنا يعتبر مسلسل «التصادم» الذي انتجته قناة «ستارز» الاميركية، وتعرضه قناة «فوكس لايف» في بثها الاوروبي، بأنه يسير عكس السائد في علاقة المسلسلات التلفزيونية بالسينما. فالمسلسل مأخوذ من فيلم بالاسم ذاته للمخرج الاميركي بول هيغيز الذي قام مع آخرين بكتابة السيناريو. وكان الفيلم حقق شهرة إبان عرضه عام 2006، وحصل وقتها على أوسكار كأفضل فيلم، وسط احتفاء نقدي، خصوصاً انه انتج بموازانة بسيطة. وسرعان ما تحول الى ظاهرة سينمائية، بسبب تقديمه الجريء والمبتكر لموضوعة «الاندماج والتصادم العرقي» الاميركي، من خلال قصص لشخصيات آتية من خلفيات إثنية مختلفة، تتقابل وتتصادم في ليلة «طويلة» واحدة في مدينة لوس انجليس. تتميز قصة فيلم «تصادم» باحتوائها على مميزات تجعلها صالحة جداً، للتطويل التلفزيوني، فالحكايات التي مرت سريعاً في الفيلم، تملك العناصر الكافية، للعودة اليها وتسليط الاضواء على ابطالها، والظروف التي اوصلت حياتهم الى ازمات خانقة، بل مميتة احياناً، وكيف فشل الحلم الاميركي في تغطية الاختلافات بين سكان المدينة الواحدة. ولأن المخرج بول هينغز نفسه، كان مشتركاً في مشروع المسلسل، بصفة انتاجية هذه المرة، كانت التوقعات تشير الى عمل يحتفظ بتلك الروح الغريبة والمبتكرة التي قدمها الفيلم، مع احتفاظ الشخصيات بالفرادة ذاتها التي اقتربت احياناً الى الشعرية القاسية كما منحهم اياها النص السينمائي. لكنّ المسلسل الذي احتفظ بمعظم شخصيات الفيلم، فشل في اعادة تقديم التصادم العنيف الذي قدمه الشريط السينمائي، برغم اللغة القاسية التي استعملها ابطاله، والعنف الذي يحفل به. فالوقت الذي منحه المسلسل للشخصيات للتعبير عن خلفياتها الانسانية واسباب انعزالها او عدوانيتها، تبدد في حوارات طويلة مكررة تأخذ الكثير من وقت المسلسل. كذلك خالف المسلسل الفيلم بتجنبه تقديم اية لحظات انسانية عادية او مرحة في حياة ابطاله، لتظهر حلقات المسلسل، خالية تماماً من الكوميديا، او من المواقف الانسانية الطبيعة لشخصياته، ما يجعل عملية المشاهدة، صعبة كثيراً. فالشخصيات في هذا السياق احادية وبعيدة عن التعقيد والعمق الذي كان وسم شخصيات الفيلم. يبقى ان ما يميز المسلسل - يدين بها للفيلم الاصلي - هو الجرأة في تقديم الاثنيات المتنوعة التي تعيش في لوس انجليس، ونقل جزء من حياتهم بلغاتهم الاصلية، مع ترجمة باللغة الانكليزية، وهو شيء غريب عن المسلسلات الاميركية التي تتوجه الى الجمهور الواسع هناك، والذي لا يألف غير اللغة الانكليزية الصادرة من اميركيين بيض واحياناً من اصول افريقية، وما يعينه ذلك من اهمال لعشرات الملايين من الاميركيين من الاصول العرقية الاخرى... وكثر منهم يعيشون في مدينة لوس انجليس نفسها، ويعملون في الاستوديوات السينمائية والتلفزيونية التي تنتج مئات الافلام والمسلسلات كل عام!