انتقلت الفنانة حميدة السنان بمعرضها "خلاءات" من دمشق إلى الإمارات ثم البحرين، لتحط رحالها أخيراً في بيت التشكيليين في جدة. "خلاءات" حميدة السنان تبدو مكتظة ومليئة بالحياة، بالتوق لهذه الحياة والتحليق نحوها...عوالمها ليست فقيرة كما قد يوحي العنوان، وهي لا تقتصد في أدواتها لتحقيق ما يعادل الخلاء تشكيلياً...إنها تقيم معادلاً ضاجاً بالاحتجاج والحراك والقلق واللعب والسخرية أحياناً مقابل حضور خارجي، ليس مبهماً لهذه الخلاءات. ليست الخلاءات، إلا العالم الذي تنبت فيه عنوة أعمال الفنانة، ساعية إلى تأثيثه بالأسئلة والنظر والجدل. على خلفيات لونية يغلب عليها اللونان الأزرق والأخضر تبث الفنانة عناصر عالمها المكونة لخطاب تشكيلي لا يخفي هيمنة العنصر الأدبي والمضموني عليه. فالفنانة تكتب في قصيدة تكاد تكون مفتتحاً لأعمالها: "هذا الذي كان/نال مني/فض وسامتي بالفوت/سجل قامتي رقماً على الماء/ أسندت ظهري إليه/أسلمته/سلالة ...لاحمين/حين احتسيته وأدمنته/أدمنته/أدمنته ثم غفوت/لأصحو كفاً خرافياً يبضع ظهر المسافات/عشقاً/ويحذو...قلبي". وفي أعمالها كافة تسجل الفنانة ما نال منها وما كان...وهي إذ تصحو كفاً خرافياً، فإنها تنثر هذا الكف كتميمة في غالبية أعمالها...إنه الكف الذي يتحول إلى طائر، هو كف الاستغاثة ذاته، هو الكف التي تبحث والأصابع التي يهيمن عليها الترقب والقلق...الأصابع التي تنقر سطح اللوحة، مستفزة عين الرائي وحاثة إياها على المزيد من الانغمار والتأمل. تتسع" خلاءات"السنان للكثير...فهي وإن بدت تقدم عالماً سيريالياً من خلال التصوير الدقيق لأجزاء من الجسد البشري، مع تحويرها وتغريبها الكف، الأصابع ،الأذرع أو أجزاء من عالم الآلات وعناصر الحياة الحديثة، فإنها تتكئ على خلفيات غنية تحيل اللوحة إلى طبقات بعضها غائر في البعد، ولا يبدو إلا كأثر ...ستحضر النقوش والاستلهامات للخطوط التراثية، حين يكون لحضورها علاقة بموضوع اللوحة سيريالية السنان لا تهدم الموضوع أبداً وستحضر مشاهد الألم الإنساني الفادح، حين تتجه الريشة صوب فلسطين وجنين...ستحضر الذات في عناوين واضحة وعود ? بكائية ? تأمل ? رؤية ? انفعالات صاخبة .... وسيكون كل ذلك كثيفاً وضاجاً. هذا الصخب اللوني الذي تحفل به أعمال الفنانة سيتجه إلى الخفوت والاقتصاد والانضباط في صورة أكبر، حين تستخدم تقنية الكولاج وبمواد مختلفة في عدد آخر من أعمالها، وفي هذه الأعمال تحديداً تبدو الفنانة حرة ومنطلقة بصورة أكبر من أسر الأدبية، التي تشد قبضتها على بقية أعمالها. حميدة السنان وفي معرضها التاسع، تواصل مسيرة فنية ابتدأت منذ العام 1981و حازت جائزة أولى في مسابقة"أرامكو"للأطفال، ونشاط تشكيلي مكثف جعلها من أبرز الوجوه التشكيلية في المنطقة الشرقية، إضافة إلى عدد كبير من الجوائز ،والمشاركات المحلية والخليجية والعربية ... إنها فنانة تتقدم بكف خرافي يسعى إلى أن يشق قلقه جمود كل الخلاءات .