وأنت تشهد معرض التشكيلية حميدة السنان الأخير تقف مندهشا أمام هذا الزخم اللوني الذي يحاورك بصرياً عبر فضاء المكان، لتجد نفسك في هذا الفضاء كائنا من تلك الكائنات السابحة والمنفلتة من قانون الجاذبية نحو قانونها الخاص الذي يخضع للجمالي وفق رؤى خاصة صاغتها بصرياًَ وتقنيا الفنانة السنان حينما اضطلعت بإعادة صياغة الظاهرة التشكيلية لتواجه ذاتها متسلحة بموهبة فطرية وخبرة مكتسبة صقلتها سنوات طويلة مع الريشة والألوان.. لا بلتة لونية واحدة يمكنك تحديدها ولا رصدا لانبثاقات الضوء بين ثنايا التكوينات ولا طريق للقبض على معطى ما بعينه يمكن أن يكون منطلقاً لقراءتك.. ثمة وحدات بصرية وتكوينات تتقارب وتتباعد وتتمازج وتتحاور في إيقاع نابض ورغم سجنها داخل اطر خشبية، تشعر بتمردها ومحاولتها الانقلات وبقوة من هذا الأسر. تكوينات شكلية في هيئات ميثولوجية ومزج حاد بين مفردات المعاش وقضايا الراهن.. ومحاولة لبث رسالة ما عبر تمازج الأشكال وتلاحمها لتبدو ككتلة واحدة توجد في الفراغ وكأنها تتوحد لتواجه خطرا تدركه لتكسر النسب والمنظور وتقليدية الأداء اللوني وعقلانية الفكرة. عالم مضطرب ولكنه لا ينفلت عن العلاقات الجمالية المكثفة التي تحتضن خطوطه وأشكاله البشرية المشوهة والمحورة والمتآمرة ضد الفراغ الذي يحيط بها.. تمة تشيؤ يطال كل شيء فكل الأشكال تخضع لمنطق وعلاقات شكلية تفرغها من مضمونها المألوف إلى مضمون مغاير.. الألوان امتداد لمخزون الطفولة تتجاذب وتتضاد لا وفق منظور بصري مقنن ولكن وفق خصوصية بصرية وجمالية تفرضها الخامة ( الورق) ومادة اللون وقدرات الفنانة.. فهي بدائية وواعية ومتوافقة في آن. (2) عبر رحلتها الفنية التي ارتكزت في بدايتها على جاهزية المضمون وسيريالية الشكل وتفوق الأداء تحاول السنان أن تنفلت من أسر المألوف والجاهز لتبتدع لنفسها خطا ورؤية مغايرة وفق إمكاناتها، محطات عديدة وقفت عليها استعادت من خلالها بعضا من فطريتها وتلقائياتها التي أخفتها أعمالها الأولى.. عادت تنقب في خبايا الذاكرة وتنبش في ركام الواقع الذي سحقته عجلات الآلات والتقنيات والمتغير اللاهث نحو أفق لا يبين. حاولت عبر اللون والخامة والأدائية الفطرية وأحياء التوجه الذاتي في المادة الإبداعية.. وقراءة الاضطرابات الروحية وإفرازات التقني ومخلفاته التي نصطدم بها. حاولت واستطاعت إلى حد أن تقدم لنا رؤيتها لتدهشنا أحياناًُ وتدفعنا مسافات إلى البعيد أحيانأً، لتخرج الينا فى هذا المعرض برؤية أكثر نضجأً وفعالية وحيوية تمحي الحدود بين الرسم واللون ليذوبا معا في فضاء اللوحة. وتكشف لنا عن توليفه خاصة ومساحات مفتوحة عن الإشارات والضوء وحوار خطوط لا تنتهي.. لا مركزية للتكوين يمكن أن تأخذ العين بل أشكال تتموضع في مساحات على سطح العمل الفني وعلاقات ما بين الكتلة والفراغ وحالات تعبير بالجسد والمساحة وتعامل نابض مع السطح والملمس. في معظم الأعمال تشهد تأثير التفاصيل الصغيرة على السطوح والتي تكشف عن ذاكرة بصرية عميقة، لا تغفل الموروث ولا تتناسى شكلانية الراهن ومعطياته.. خاماتها الورقية التي تشكلت لتصنع هذا التالف البصري فرضت منطقها عبر خفة الشكل رغم رسوخية الكتل أحياناً. وبالطبع لا تتخلص حميدة من علاماتها أو لنقل أيقونتها المعهودة ( فيشة الكهرباء- فتاحات العلب.. الخ) انها فتنتها الخاصة أو لنقل احتجاجها الجمالي على إفرازات العصر. السنان في استخدامها خامة الورق بهذه الجرأة وهذا الطرح تذكرنا بالفنانة العالمية " تورابيرت" التي استخدمت الورق لإبداع تشكيلات متنوعة لموضوعاتها التصويرية ولاقت أعمالها نجاحاً في القاهرة وفي الشارقة وفي ألمانيا وغيرها. اننا في معرض السنان إزاء لغة بصرية تحقق على المستوى الشخصي للفنانة نقلة ما وعلى المستوى العام تجربة تخضع بكل ما حققته وما لم تحققه للتقييم. ولكنا ننتهي إلى القول بضرورة ترتيب المراحل التي يمر بها الفنان لتلمس ما حققه من أفكار وأساليب.. ونعتقد أن السنان حققت ما يمكن الوقوف أمامه بمقاييس التعاقب أو التناقض أو التحطيم..