بعد ما يقارب السنتين على توقيف برنامجها السياسي "بتجرد" على شاشة NBN من دون ان تعطي أسباباً واضحة، تطل اليوم الإعلامية اللبنانية ماتيلدا فرج الله عبر تلفزيون "هي" قناة المرأة العربية في برنامجين اجتماعيين. البرنامج الأول أسبوعي يطرح الكثير من القضايا الشائكة على طاولة البحث بعنوان "عالمكشوف" والثاني عنوانه "جريء جداً" وهو شهري يستضيف نساء مختلفات أكنّ تحت الضوء أم لا. واليوم تعد ماتيلدا مشاهديها بعودة من الباب الواسع الى البرامج التلفزيونية السياسية، مع العلم ان لها برنامجاً سياسياً إذاعياً عبر "لبنان الحر" تحت عنوان "على مسؤوليتك". "أعود الى البرنامج السياسي من باب عدم الهزيمة"، تقول ماتيلدا وتتابع: "كثر اعتقدوا انني هزمت بعد NBN وهذا غير صحيح إذ انني حددت خياراتي وشعرت بأنني في مرحلة مصالحة مع الذات لأعود وأنطلق من جديد. من هنا لا أريد ان يظن أحد أنني قبلت بالبرنامج الاجتماعي لأنني هزمت، إنما على العكس أردتها فترة استراحة وأنا في الأساس أحب البرامج الاجتماعية كثيراً". لكن ألم تشعر ماتيلدا بتراجع ما مع انتقالها من البرامج التلفزيونية السياسية التي تعتبر إجمالاً ذروة العمل الاعلامي، الى البرامج الاجتماعية التي تصنف عادة في مرتبة أقل؟ تجيب: "من قال ان البرامج الاجتماعية أقل مرتبة من البرامج السياسية؟ بصراحة ملّ المشاهد في رأيي من متابعة البرامج السياسية لأنها لا تقدم أي جديد بعدما بتنا في حال إفلاس تام وكل شيء يدور في مكانه. من جهة ثانية لم يعد البرنامج السياسي يستقطب الشريحة الكبرى من الجمهور، وهنا أقول انني سعيدة جداً بالبرنامج الاجتماعي لأنني شعرت فعلاً بأنني استقطبت شريحة لم تكن تشاهدني في السابق". فلمَ العودة اذاً الى البرامج السياسية؟ "التوجه سيكون مشروطاً ببقائي في البرامج الاجتماعية، وعندها أحسم خياراتي وأحدد أين أجد ذاتي، لذلك لا أتمكن من اغلاق الباب أمام عرض بإمكانه ان يريحني أو ان يجعلني أطلّ من جديد من الباب السياسي". هل تريدين في ذلك استرجاع شريحة من المشاهدين خسرتها بانضمامك الى قناة نسائية؟ تجيب: "عندما قررت العمل في تلفزيون "هي" اتفقت مع ادارة المحطة على ان أخرج من هذه الخصوصية إذ لا أريد ان أفكر في انني أتوجه الى المرأة فقط. صحيح ان المرأة ضمن مواضيعي، إلا ان حلقاتي ليست محصورة بالمرأة وحدها، فهي تطاول النساء والرجال أيضاً. وأعتقد انه في الزمن الذي نحن فيه لم يعد هناك شيء اسمه قناة، إنما صار هناك برنامج له وجوده وكيانه بوجود "الريموت كونترول" وتعدد المحطات، والحال ان عدد الرجال الذين يتابعون البرنامج أكثر من عدد النساء، وهنا أظن ان الرسالة وصلت بمعنى ان آفاقه مفتوحة ولا يحدّها حدّ". غدّارة... غدّارة وإذا كانت برامج ماتيلدا فرج الله تطاول شرائح مختلفة من الجمهور الا ان الانتقادات لم ترحمها. "يقولون انني "أحشر" ضيوفي وهل هذا عيب؟ إن لم يلعب الإعلامي دور محامي الشيطان يكون قد فشل في مهمته، فالاستفزاز ضروري لاستخراج ما تريدينه من ضيفك. من هنا لا أكترث للانتقادات التي تريد النيل مني إنما أهتم بكل ما من شأنه تحسين البرنامج. وفي النهاية من يلعب اللعبة ليس كمن يشاهدها". وأكثر ما يميز ماتيلدا فرج الله، بحسب كثر، "الجرأة" في الطرح. هذه الجرأة التي كانت، كما تقول، وراء استبعادها من محطة NBN. صحيح بقيت الأسباب غامضة "الا انني أعرف تماماً ان جرأتي لم تكن مقبولة في هذه المحطة لاعتبارات كثيرة. واليوم على رغم كل شيء أرى هذه التجربة ايجابية في حين كنت أراها في الماضي سلبية. والسبب انني تجاوزت الشعور بالحسرة والغبن وتعلمت كيفية التعاطي مع وسائل الاعلام والأهم انني ركّبت أنياباً لم تكن لي في السابق إذ كنت طيبة القلب وصادقة المشاعر". بعد التجربة الطويلة تصف ماتيلدا فرج الله الساحة الإعلامية اليوم بالغدارة وتقول: "الساحة الإعلامية غدّارة غدّارة. يأخذون منك وفي اللحظة التي لا تعودين تفيدينهم يرمونك من دون رحمة.... في البدايات يفرشون لك الأرض حريراً وعندها تتعارض المصالح يتخلون عنك بسهولة تامة. وهنا تفهمين الى أي حدّ عليك ان تكوني صلبة لتتأقلمي مع الظروف وعندما تظهر قوة الاعلامي في البقاء والصمود بوجه كل المصاعب التي تصادفه. من جهة اخرى، لو لم أمر بكل هذه التجارب لما كوّنت الصورة الصلبة الشرسة لماتيلدا... هذه الشراسة تكتسبينها من التعب والجهد. فالمؤسسة التي توفر لك كل سبل الراحة بوجود فريق العمل المتكامل والعمل المحدد لا تكسبك على الصعيد الشخصي والمهني بقدر ما تكسبك مؤسسة تعملين فيها كل شيء بمفردك، من قوة وعزيمة. من هنا لم أندم على رغم كل ما عانيته... "الهواء" شغلة خطرة لكن كل خطر يسقط أمام عطاءاتك". العودة الى البداية بدايات ماتيلدا فرج الله في الاعلام تعود الى اذاعة "لبنان الحر" ومنها انتقلت الى مجال الاعداد في تلفزيون "أوربت" وبعدها كمقدمة برامج على شاشة NBN قبل ان تنضم أخيراً الى قناة "هي" الفضائية وتقول: "لا يمكنك ان تتصوري الثورة الداخلية التي كنت فيها في بداياتي. وقد أعطيت لي الفرصة في "لبنان الحر" في الوقت الذي لم يكن اسمي بعد تحت الضوء. من هنا فأن "لبنان الحر" هو المكان الوحيد الذي لا أقوم فيه بلعبة العرض والطلب، إذ انني أشعر بانتهامي الكلي الى هذه الاذاعة التي حضنتني في بداياتي وأنا اليوم على استعداد للعمل فيها بلا مقابل إن طلب مني ذلك. أما دخولي الى الاعلام السياسي فكان من خلال الملفات الانتخابية، إذ أعددت برنامجاً خاصاً عن الانتخابات النيابية لسنة 1996 ثم قدمت في انتخابات العام 2000 برنامج "شو مشروعك" على NBN قبل "بتجرد". فأين ماتيلدا اليوم بين الاذاعة والتلفزيون؟ - "الاذاعة أصعب من التلفزيون لسبب بسيط وهو انك إما ان تجذبي المستمع بصوتك وإما أن تخسريه إذ لا يوجد اي ديكور أو تزمينات مساعدة، من هنا الاذاعة محطة رئيسة في مسيرتي، مهدت لي طريق التلفزيون. من جهة ثانية شعور الانتشار الجماهيري الذي يؤمنه التلفزيون يسحر ولو قُيض لي الاختيار بين الاثنين لاخترتهما معاً". وتختتم كلامها قائلة: "واجهت اللحظات الحلوة والمرّة واستفدت من كل ثانية مررت بها". وفي النهاية أريد ان أقول: "ليس صحيحاً ان كل شيء صار معلباً، ليس صحيحاً ان الصحافة أصبحت مجرد أداة، ليس صحيحاً ان كل الصحافيين ظاهر بلا مضمون...".