لا تزال سعاد العشي واحدة من أبرز أعلام التلفزيون اللبناني منذ ثلاثين عاماً وحتى الآن. وسعاد وجه محبب فرضت احترامها حيثما حلّت باتزانها وشخصيتها الجادة التي صقلها العمل الإعلامي الاخباري سنوات طويلة حققت خلالها أكثر ما تريد، فعاشت الشهرة وعرفت الأضواء قبل أن يسطع وهج الفضائيات التي لم تغرها يوماً حتى حين تركها تلفزيون لبنان قبل نحو ثلاثة أعوام وتقديمها برنامج "ذاكرة الأسبوع" على شاشة ART. اليوم وعلى رغم كثرة العروض اختارت سعاد العشي أن تطل عبر شاشة الشبكة الوطنية للإرسال NBN في برنامج جديد عنوانه "التاريخ إن حكى". فماذا سيحكي التاريخ ولماذا NBN تحديداً؟ "التاريخ سيحكي كل شيء"، تقول سعاد العشي قبل أن تتابع: "البرنامج كفكرة ليس جديداً إذ يوجد من البرامج المماثلة أي البرامج التي تستفيد من الشخصيات التي تركت بصمات في حياتنا... شخصيات عاصرت مراحل حاسمة وأحداثاً مهمة إذا فقدناها نفقد تاريخاً بأكمله. يوجد الكثير من القصص التي لا نعرفها والإضاءة عليها أمر جميل فيه الكثير من الحميمية ويتقبله الجمهور بسرعة. التاريخ سيحكي كل شيء إذ نبدأ بالحياة الشخصية للضيف في تفاصيلها وحميمياتها وننتقل الى الأحداث التي عاصرها منذ طفولته الى اليوم لنكتشف الى أي مدى يعي ما يدور حوله أو هو "غرقان" في هذه الأحداث، الى أي مدى أخذ منها وأخذت منه، فندخل في التفاصيل من دون حدود. وهذه مناسبة لأشكر المحطة التي لم تقيدني بتاتاً، بل على العكس أعطتني الضوء الأخضر لأفعل ما أريد وأختار الشخصيات التي أراها مناسبة وأتطرق الى المواضيع من دون أي تحفظات طالما انني لا أؤذي أحداً وهذا الشرط أساس في مبادئي. من هنا انتقلت الى NBN لأنني وجدت عندها كل الحب والاحترام أما عروض الفضائيات الأخرى فلم تناسبني إذ أن مبدأ السفر غير وارد عندي. ربما لو كنت في بداية حياتي وما زلت أبحث عن الشهرة والمال لضحيت وسافرت، أما اليوم بعد أن بنيت اسمي ومستقبلي فمن الطبيعي ألا أتأثر بمغريات الفضائيات". متعة وحنين وتكشف سعاد العشي انها اليوم في مرحلة "مزمزة" ما تقوم به من عمل وتقول: "بعد هذا المشوار الطويل، ثلاثين سنة في الإعلام، يأتي وقت تريدين فيه أن "تُتكتكي" في هدوء ضمن عمل تحبينه وتعطينه عصارة تجربتك وفكرك ومحبتك من دون أن تنتظري مقابلاً. لست اليوم في انتظار أي شيء إنما أنا استمتع بكل ما أفعله". فهل طموح سعاد العشي وقف عند هذا الحدّ؟ "الحمد لله ما أريده قلته، انما طموح الإنسان لا يصل أبداً الى مبتغاه إذ يبقى الطموح في داخلك مشتعلاً ويناديك باستمرار ويطلب منك المزيد. عملي اليوم هو تلبية لطموحي واسعاد لذاتي إذ ان كل من اعتاد على العمل لا يمكنه أن يكفّ فجأة لأن التوقف عن العمل في رأيي هو توقف الحياة نفسها. كما ان العمل متعة لي فهذه هي نوعية البرامج التي أحبها وأحلم بأن أنفذها منذ زمن طويل". ماذا عن نشرات الأخبار التي أخذت من وقت سعاد العشي سنوات طويلة؟ "يكفي أخبار" تقول بسرعة وتتابع: "ثلاثون سنة في الأخبار ألا تكفي؟ ومع هذا، الأخبار في دمي والى اليوم لا أزال أحنّ كلما شاهدت مذيعي الأخبار. لكن منطقياً قمت كفاية بهذا العمل ولا بدّ اليوم من أن أمارس هذه اللذة والمتعة في برنامج يُلبّي طموحي ومحبتي للعمل. ومن يدري قد أعود يوماً وأذيع الأخبار فالصحافة مهنة المفاجآت. مهما يكن من أمر ما أريده اليوم هو برنامج يرضي طموحي ويرضي ما صنعته لسنوات من دون أن ينقص من رصيدي أو يؤثر في ما بنيته برموش عينيّ. وأعتقد ان "التاريخ ان حكى" هو أكثر ما أريده اليوم" وماذا عن هذه التجربة؟ "الى اليوم صورنا أربع عشرة حلقة مع خمس شخصيات عربية، عرض منها حتى الآن حلقات رئيس الجمهورية اللبنانية السابق الياس الهراوي التي وصلت الى أربع حلقات. وتباعاً ستعرض ثلاث حلقات مع الرئيس سليم الحص، ثلاث حلقات مع وزير الصحة السوري محمد أياد الشطي، ثلاث حلقات مع السيد محمد حسين فضل الله وحلقة مع الرئيس رشيد الصلح. وأنا اليوم في طور إعداد حلقات للأستاذ غسان تويني وللعماد مصطفى طلاس. فما يميز هذا البرنامج هو كونه مفتوحاً في عدد حلقاته وفي شخصياته وفي فترة عرضه إذ لا يقيده شيء فقد نجاحه هو الذي يقرر الى أي مدى سيستمر. انه برنامج عربي شامل على عكس "شاهد على العصر" الذي قدمته سابقاً عبر شاشة تلفزيون لبنان وكان يطغى عليه الطابع المحلي. من هنا أعتبر أن "شاهد على العصر" هو "دعسة ناقصة" أكملها اليوم في "التاريخ ان حكى" في خطى أوسع وأنضج. بين الأمس واليوم لا يمكن الحديث مع سعاد العشي من دون المرور على تلفزيون لبنان وما وصل اليه من انحدار وتقول: "تلفزيون لبنان هو الأساس، هو المنبر والذاكرة والوجدان. هو الذي صنع اسم سعاد العشي إذ لا أستطيع أن أخرج عنه أو يخرج عني. وبقدر حبي له بقدر حزني عليه وعلى رؤيته في احتضار مستمر. إذ كنت أُفضّل ألف مرة اقفاله وفي الأذهان صورة جميلة عنه على مشاهدته وهو ينكمش على ذاته ليتحول الى علبة فارغة. ولا يمكنك تصوّر كم يؤسفني قول هذا الكلام الذي يعصر في قلبي ووجداني وضميري. فالحديث عن المنبر الذي صنعني وأطلقني وعرّف الناس بي مؤلم جداً. حرام كل ما يحدث وهذه مسؤولية الدولة التي تساهم في احتضار تلفزيون الوطن. فهي تراه مشلولاً ولا تتحرك. صحيح ان وزير الإعلام ميشال سماحة يحاول ايقافه من جديد على رجليه، لكن السؤال: الى أي مدى سيسمحون له بذلك؟ وفي النهاية لا يسعنا الا التمني بعودة هذا المنبر واستعادته مجده السابق". وتتحدث سعاد العشي عن شرخ كبير بين الأمس واليوم وتسأل: "هل ساسة اليوم كسياسيي الأمس؟ هل اقتصاديو اليوم كاقتصاديي الأمس؟ هل اعلاميو اليوم كإعلاميي الأمس، هل فنانو اليوم كفناني الأمس" قبل أن تجييب قائلة: "نحن اليوم في مرحلة تدهور وانحدار. فالشيء المتطور الوحيد في عصرنا هو التكنولوجيا، وحدها التكنولوجيا تخطت الماضي وارتفعت عنه أما ما عداها فمسطح وبسيط". وما رأيها صراحة "بإعلاميات" اليوم؟ "المؤسف انهم يطلقون اليوم لقب إعلامية على كل حسناء تطلّ عبر الشاشة الصغيرة. فأحياناً كثيرة تشعرين بأن اللقب صغير جداً على الشخص وأحياناً تشعرين بأنه "مبهبط" عليه. وعلى كل حال اللقب لا يكبّر ولا يصغّر من يستحقونه فالاسم وحده أحياناً لقب في حدّ ذاته. أما الذين يتكمشون بالألقاب من دون أن يستحقوها فاللقب لن يشكّل لهم وساماً إنما سيفضحهم في نهاية المطاف ويثير سخرية الجميع. وهنا لا أريد أن أظلم وأتكلم بالمطلق إذ من دون شك هناك بعض الأسماء التي استطاعت أن تلمع في هذا العصر الهزيل، هناك أشخاص محترمون لكن الأكثرية على غير هذه الصورة والسبب بسيط مع كثرة وسائل الإعلام. وهكذا إذا نظرت من حولك تجدين الكثير من نقاط الضعف ومع هذا تبقى في الأفق بارقة أمل منعشة، إذ نشاهد اليوم محطات فضائية تمدنا بالأمل وتعطينا شعوراً بأن الدنيا في ألف خير". فمن أين يسطع هذا النور؟ تجيب سعاد العشي: "محطة الجزيرة"، على رغم التحفظات عليها، جعلتني أتفاءل بأن الإعلام العربي لا يزال في ألف خير إذ فاجأتنا في انطلاقتها في وقت كان الإعلام العربي كله رسمياً وملك الدولة. بمعنى انه لا يمكنك أن تسمعي في التلفزيونات إلا ودّع واستقبل وأولم... من هنا خرجت "الجزيرة" وسط هذه الصحراء القاحلة وأعطتنا نفحة أمل وبعد هذه التجربة تتالت تجارب مماثلة. ومن الجيّد ان هذا النمط يعدي غيره". موضوعية وخط موجّه ماذا عن سياسة "استقبل وودع" التي عايشتها طويلاً في تلفزيون لبنان؟ تجيب: "في تلفزيون لبنان كنا نتأثر بسياسة العهود التي تمرّ علينا. لذلك كل شيء يتوقف على العهد والرئيس ورئيس الوزراء. وبحق كانت تمرّ عهود نعمل خلالها في حرية كبيرة وأذكر فترة شارل رزق وفؤاد نعيم إذ قارعنا أهم المحطات التي كانت موجودة في الساحة الإعلامية. من هنا جاءت فترات ازدهار وفترات تقهقر وتأخير وهذا أو ذاك يتوقف على قرار من الدولة". والى أي مدى في استطاعة المذيع أن يكون موضوعياً ضمن خط سياسي موجّه؟ تجيب العشي: "لا بد ن أن تأسرك سياسة المحطة وأي كلام آخر كذب ونفاق. من هنا ان اردت الاستمرار في عملك عليك أن تتبعي سياسة المحطة التي تعملين فيها. من جهة ثانية سياسة المحطة أو المؤسسة لا تعني لي شيئاً إذ ان محوراً واحداً هو المعمول به وإلا تجلسين بلا عمل". فهل كانت سعاد العشي لترضى بالانضمام الى صفوف تلفزيون "الحرة" مثلاً لو طلب اليها ذلك؟ "في الماضي جاءني عرض من اذاعة "سوا" ورفضت لأن كان عليّ الذهاب الى واشنطن وأنا قلت سابقاً أرفض مبدأ السفر وأفضل الاستقرار في لبنان، ولو جاءني اليوم عرض من "الحرة" لرفضته أيضاً للسبب نفسه". وفي النهاية يبقى أن نسأل: ماذا عن الخطوط الحمر في NBN؟ "من الطبيعي وجود بعض الخطوط الحمر التي لا يجوز تجاوزها إذ علي أن أراعي الخط العام للمحطة. مهما يكن من أمر في لبنان سقف الحرية مرتفع جداً ونحن محسودون عليه. حريتنا تصل الى درجة الفوضى من هنا أرى تجنياً وظلماً في التباكي على الحريات".