نجحت الدول المعارضة للحرب على العراق في انتزاع ما رآه المراقبون تنازلاً مهماً من واشنطن، من شأنه أن يتيح لصندوق النقد والبنك الدوليين لعب دورهما التقليدي، تحت اشراف الأممالمتحدة، في مساعدة العراق على البدء في معالجة الآثار المدمرة لثلاثة حروب وزهاء 12 سنة من الحصار الاقتصادي، على رغم استمرار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في ارساء عقود عملية اعادة اعمار في العراق وحصرها في الشركات الأميركية. وناقش وزراء مال دول مجموعة الدول الصناعية السبع موضوع مديونية العراق وتحدث عدد من الوزراء في مؤتمرات صحافية عن هذه الديون وموقف دولهم من سبل تسديدها أو شطبها. قال وزراء مال دول مجموعة الدول الصناعية السبع، في بيان مشترك بعد محادثات عقدوها على هامش اجتماع دورة الربيع من الاجتماعات المشتركة للمؤسستين الدوليتين في واشنطن أول من أمس: "ندرك الحاجة الى جهد متعدد الأطراف لمساعدة العراق ونؤيد قراراً اضافياً من مجلس الأمن"، مشددين على ضرورة قيام صندوق النقد والبنك الدوليين بممارسة دورهما الاعتيادي في عملية إعادة الاعمار والتنمية في العراق. ووضع التأكيد على جهد "متعدد الأطراف" حداً لتكهنات غذتها تصريحات لبعض المسؤولين في الادارة الأميركية من أن واشنطن تريد الانتقام من معارضي الحرب، فرنسا والمانيا وروسيا، بحرمانهم من المشاركة في عملية اعادة الاعمار وان كان بيان وزراء مال الدول الكبرى استجاب أيضاً لنداءات أطلقها رئيس البنك الدولي جيمس وولفنسون والمدير العام لصندوق النقد هورست كولر للدول الأعضاء بالتوصل الى "اتفاق على الاطار اللازم لاعادة اعمار العراق". وسيطر العراق على اهتمام الاجتماعات الدولية المشتركة التي عقدت يومي السبت والأحد وشدد المسؤولون في صندوق النقد والبنك على أن الوضع الراهن يتطلب تحركاً سريعاً، لكنهم أكدوا أن عقبات على رأسها العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن في قراره رقم 661 تكبل أيديهم عن تقديم أي نوع من أنواع المساعدات، لا سيما المساعدات الفنية التي تعتبر عنصراً أساسياً في تقويم متطلبات عملية اعادة الاعمار وتقدير حجم المساعدات المطلوبة. وأبدى نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جان لوي سربيب مشاعر احباط لعدم قدرة البنك على تقديم المساعدات للعراق، وذلك عندما لفت في مؤتمر صحافي الى أن العقوبات الاقتصادية تحظر "حتى مجرد الذهاب الى العراق ودفع فواتير الاقامة في الفنادق العراقية"، مشيراً الى أن البنك مصمم على التقيد بالقرارات التي يتخذها مجلس الأمن بموجب البند السابع ومن ضمنها القرار رقم 661. ولم يتضح ما اذا كان مجلس الأمن سيرفع العقوبات الاقتصادية أم سيتخذ قراراً انتقالياً لحين قيام حكومة جديدة في بغداد، والمؤكد أن الادارة الأميركية حصلت على تنازل عندما اتفق وزراء المال على "أهمية معالجة مسألة الديون العراقية". يشار الى أن واشنطن التي قررت أخيراً مصادرة نحو 1.7 بليون دولار من أرصدة المصارف والشركات العراقية ليست لها ديون معلنة لدى العراق، بينما تنفرد روسياوفرنسا والمانيا بجزء كبير من ديونه الرسمية التي تقدرها مصادر أميركية بمبلغ يراوح بين 80 و126 بليون دولار. وجاء الاتفاق على الجهد المتعدد الأطراف بعد يوم واحد من اعلان وكالة التنمية ارساء عقدين جديدين في اطار خطة اعمار رصدت لها واشنطن 1.7 بليون دولار، وحصلت شركة الاستشارات الأميركية "كرييتيف أسوسيتس انترناشونال" على العقد الأول الذي بلغت قيمته مليوني دولار، ويهدف الى "تجديد حيوية المدارس العراقية وضمان استقرار التعليم"، في حين حصل معهد الأبحاث الأميركي "ريسيرتش تراينغل انستيتيوت" على العقد الثاني الذي بلغت قيمته ثمانية ملايين دولار ويتركز في "تعزيز الادارة المحلية" في العراق. لكن البنك الدولي لمح الى أن حاجات عملية اعادة الاعمار في العراق ستكون هائلة، فعلى رغم اشارته الى أن صندوق النقد لا يملك معلومات مباشرة عن العراق منذ عقدين كاملين الا أنه اعتمد "مصادر ثانوية" لرسم صورة شديدة القتامة عن الوضع الراهن، محذراً بشكل خاص من ان العراق قد يعجز حتى عن تحقيق أهداف التنمية للألفية الثالثة التي تعتبر الحد الأدنى المتفق عليه دولياً لخفض الفقر في الدول النامية الى النصف بحلول سنة 2015. ولفت سربيب الى أن العراق الذي حقق أهداف التنمية وفقد أهليته للحصول على قروض انمائية من البنك الدولي في السبعينات من القرن الماضي، يدين اليوم للبنك بنحو 82 مليون دولار من المتأخرات وانخفض نصيب الفرد العراقي من 3700 دولار عام 1980 الى 1200 دولار عام 2001، وارتفعت نسبة الأطفال العراقيين الذين يعانون سوء التغذية من تسعة في المئة عام 1990 الى نحو 24 في المئة عام 1995 وتراوح في الوقت الراهن عند 20 في المئة، أي نحو ثلاثة أضعاف المستوى المطلوب لتحقيق أهداف التنمية. وأشار الى أن انجاز عملية تقويم لحاجات الاعمار و"اعادة العراق الى مسار التنمية بعد عقود من سوء الادارة وتوجيه ثروات العراق لغير صالح تنمية الشعب العراقي" قد يستغرق من ستة الى ثمانية شهور، لكنه أوضح أن لعب البنك دوره كاملاً كمؤسسة اقراض يتطلب وجود حكومة عراقية تحظى بشرعية وقبول دوليين. الولاياتالمتحدة والعبء أعلن وزير الخزانة الاميركي جون سنو في واشنطن ان وزراء مال مجموعة السبع طلبوا من المنظمات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي "اجراء دراسة اولية" عن حاجات العراق لاعادة اعماره. وقال جون سنو عقب اجتماع وزراء مجموعة السبع: "اجرينا محادثات مفيدة ورأينا ان الشعب العراقي غير قادر على تحمل العبء الذي يشكله حجم الديون الراهنة، كما اعترفنا بأن نادي باريس بحاجة الى الاهتمام بهذه المسألة". روسيا لن تعفي قال وزير المال الروسي اليكسي كودرين في واشنطن ان روسيا لن تعفي العراق من ديون ترجع الى عهد الاتحاد السوفياتي السابق تبلغ نحو ثمانية بلايين دولار، بعد يوم من قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان موسكو قد تنظر في اعفاء بغداد من الديون المستحقة عليها. وقال كودرين ان موسكو لن تتنازل عن قروض منحت للعراق في ظل حكم صدام حسين حتى يتم اعفاء روسيا من ديون مستحقة عليها ترجع الى عهد الاتحاد السوفياتي السابق. وورثت روسيا ديوناً قدرها نحو 100 بليون دولار من عهد الاتحاد السوفياتي السابق. وأضاف ان روسيا لا تعتزم تقديم تنازلات اكبر من تلك التي ستمنحها الدول الدائنة الاخرى، مشيراً إلى ان "ديون العراق ستعاد جدولتها لكننا لن نقدم اكثر مما ستقدمه بلدان اخرى". نادي باريس أعلن وزير الخزانة البريطاني غوردن براون ان هناك اتفاقاً عاماً بين كل الدول على ان يتولى نادي باريس معالجة ملف ديون العراق. وقال براون خلال مؤتمر صحافي في واشنطن: "اعتقد انه يوجد اتفاق عام لدى كل الدول، واعتقد ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال ذلك أمس الجمعة في روسيا، انه على نادي باريس ان يتولى امر مسالتي دفع الفوائد والديون في الوقت نفسه، هكذا يفترض ان يكون الامر". واضاف براون ان نادي باريس، الذي تأسس عام 1956 ويضم مجموعة من الدول الدائنة للاهتمام بأمر الدول المدينة التي تواجه صعوبات في الدفع، يحاول حالياً تحديد قيمة المستحقات المترتبة على العراق بدقة. وقال: "هناك ودائع للنظام العراقي السابق نريد الافراج عنها ولكن لا يمكننا الافراج عنها الا بقرار جديد". الإلغاء لم يطرح أعلن وزير المال الالماني هانس ايخل في مؤتمر صحافي في واشنطن ان بلاده ستحصل الديون المترتبة لها على العراق مستبعداً فكرة الغاء هذه الديون. وقال اثر اجتماع مع نظرائه في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى: "لا اتوقع فقط جدياً تحصيل هذه الاموال بل سأحصلها". وتقدر قيمة الديون العراقية لالمانيا باربعة بلايين دولار. واضاف: "عندما يبدو ان بلداً يستطيع ان يفي ديونه فيجب ان يفعل ذلك". واشار ايخل الى ان مسألة الغاء الديون العراقية لم "تطرح ابداً" خلال اجتماعات الدول الصناعية السبع الكبرى في واشنطن.