عادت الحياة السياسية الى العاصمة واشنطن، بعد شهور من التأييد المطلق لادارة الرئيس جورج بوش في الحرب ضد الارهاب، بانطلاق سجال عنيف بين البيت الابيض وقادة الحزب الديموقراطي حول المسؤولية عن التراجع الاقتصادي وتلاشي فائض الخزينة. التاريخ لا ينفك يعيد نفسه مع عائلة بوش، فالرئيس السابق بوش الأب خسر الانتخابات الرئاسية بسبب الوضع الاقتصادي، على رغم "انتصاره" في حرب الخليج وشعبيته العالية اثناء تلك الحرب. في المقابل، يتمتع الرئيس بوش الابن بنسبة عالية من تأييد الاميركيين لطريقته بقيادة الحرب ضد الارهاب، لكن الخاصرة الضعيفة لبوش هي ايضاً الاقتصاد. وقد شن الحزب الديموقراطي حملة على ادارة بوش ملقياً اللوم على خفض الضرائب في تبخر الفائض كعامل اساسي، وليس فقط الهجمات الارهابية في 11 ايلول سبتمبر 2001. ورد الرئيس بوش، اول من امس السبت، على زعيم الغالبية الديموقراطية السيناتور توم داشل الذي يقود العودة السياسية للحزب الديموقراطي، قائلاً ان زيادة الضرائب لن تمر "إلا على جثتي". ولم يتردد المعلقون بمقارنتها بالوعد الذي قطعه بوش الاب حين قال: "اقرأوا شفتيّ: لا زيادة ضرائب" في الانتخابات الرئاسية عام 1988، لكنه اضطر بعد سنتين الى التراجع عنه، ما تسبب له بكلفة سياسية باهظة. وكان داشل، الذي يعتبر من المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2004، اعلن يوم الجمعة الماضي ان خفض الضرائب الذي نفذه بوش أدى الى أكبر تراجع في تاريخ خزينة الدولة. واضاف ان هذا التراجع سيبلغ 1.35 تريليون خلال العقد المقبل "ما لم تتم العودة عن قرار خفض الضرائب". وردّ داشل امس على بوش قائلاً: "مهما بلغ حجم التصريحات الساخنة فإن ذلك لن يعيد الاقتصاد الى مساره". اما بوش فقد وعد جمهوراً احتشد لسماعه في مدينة بورتلاند ان عام 2002 سيكون "عظيماً" لاميركا وانه "توجد مؤشرات تعطي الامل بالتعافي الاقتصادي". ومع تراجع اهتمام الفرد الاميركي بموضوع الارهاب، يبرز الهاجس الاقتصادي الذي دخل رسمياً في مرحلة الاحباط وباتت له انعكاسات مباشرة على التضخم ومعدلات البطالة، اذ تزايدت بعد عقد من الازدهار الاقتصادي غير مسبوق تزامنت نهايته مع بداية رئاسة بوش. ويحتج الجمهوريون بالقول ان التراجع الاقتصادي بدأ في آخر عهد كلينتون مع انهيار الاسواق المالية واسعار الاسهم وليس بسبب السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الادارة الحالية. ويبدأ العام الحالي بسجال عنيف بين البيت الابيض والديموقراطيين الذين تراجعوا بعد خسارتهم في الانتخابات الرئاسية ولم يبدوا معارضة للتشريعات التي اقترحها البيت الابيض بعد 11 ايلول. لكن يبدو انهم اتخذوا قراراً بإطلاق المعارضة من نافذة الاقتصاد. ويدرك البيت الابيض ان الشعبية العالية التي يتمتع بها بوش قد تتلاشى اذا ساد الانطباع لدى المواطن الاميركي بأن عمله مهدد بسبب السياسة الاقتصادية للدولة. ويعتقد بعض المراقبين ان تزايد اقتناع الاميركيين بأن الجمهوريين يبلون بلاء حسناً في زمن الحروب ولكن ليس في زمن السلام قد تكون له كلفة سياسية في الانتخابات التشريعية التي تجرى هذا العام. ويسيطر الديموقراطيون بنسبة صوت واحد على مجلس الشيوخ ويسعون الى اعادة سيطرتهم على مجلس النواب في الانتخابات المقبلة. ومن الواضح ان بوش لا يزال يراهن على الحرب للتفوق على الخطط السياسية لمعارضيه الديموقراطيين، وهو جدد القول بأن الحرب في افغانستان كانت "الجبهة الاولى" متوعداً ب"استئصال الارهاب في كل مكان".