تبدو الحاجة الى "الاتحاد المغاربي" المتعثر منذ بضع سنوات ضرورة بالنسبة الى كل العواصم المغاربية، على رغم تباين المشاغل والأسبقيات. وبمقدار ما تريد الجزائر هذا الاتحاد لتأمين موقف داعم لها في الحوار القائم مع بلدان الاتحاد الأوروبي بعد تزايد الضغوط الخارجية نتيجة أزمتها الداخلية، فإن ليبيا التي كانت يئست من استخلاص موقف مؤيد لها في خلافاتها مع الدول الغربية تتمنى لو أن فك الحصار يبدأ بخطوة مغاربية ولو خجولة تستأنس بالموقف الذي التزمته محكمة العدل الدولية في لاهاي. وبمقدار ما تأمل موريتانيا بأن يساعدها انتسابها المغاربي في الاندماج بمنظومة الحوار الأوروبي - المتوسطي، فإن المغرب يرى أن مواجهة اشكاليات العلاقة مع بلدان الاتحاد الأوروبي، خصوصاً في ملفات الهجرة غير الشرعية وحرب المخدرات وحماية الجاليات المهاجرة، ليست متكافئة. أقله لأن التزاماته منفرداً لا تعينه في ايجاد منافذ موازية كان يعول ان يكون الفضاء المغاربي اطاراً ملائماً لاستيعابها. ولا يبدو أن تونس بعيدة بدورها عن المشاغل المغاربية في علاقاتها مع بلدان الجوار أو مع الامتداد الأوروبي. على عهد شيوع الأمل في دور الاتحاد المغاربي، سمع القادة المغاربيون نصائح من نظرائهم الأوروبيين، مفادها ان التكتل يساعد في درس المشاكل المطروحة، ولتكن من مستوى اتفاقات الشراكة، أو تحسين أوضاع الجاليات المغاربية المهاجرة، أو مواجهة التطرف بكل أشكاله. أما الآن فانهم يسمعون تمنيات بإعادة القطار المغاربي الى سكة الانطلاق، لكن العوائق باتت أكبر من القدرات. والمشكلة ان النصائح لم تعد ودية، بدليل ان الأوروبيين يقولون كلاماً في المنتديات السياسية، ويخططون خارج ذلك لتشكيل قوة عسكرية للتدخل "لمواجهة المخاطر الآتية من الجنوب". وبكل المقاييس لن تكون الجزائر وحدها المستهدفة، فعلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط لا تزال أراض مغربية تحتلها اسبانيا، وفي الطرف الآخر تواجه ليبيا حصاراً يزداد قسوة، فيما تبدو المنافذ الأوروبية التي كانت مشرعة أمام المغاربيين وقد تحولت الى ثكنات للرقابة وتشديد الحراسة. هل كان صواباً ان ترجئ العواصم المغاربية الانشغال بمعاودة البناء المغاربي لاعطاء الأولوية للهموم الداخلية؟ يصعب تقويم ذلك طالما ان الفضاء المغاربي كان في امكانه التخفيف من بعض هذه الهموم، فالاتفاق على حرية تنقل الأشخاص والممتلكات، واقامة السوق المغاربية الموحدة، طرح أساساً كبديل للمنافسات واغلاق الأسواق الخارجية، كذلك الحال بالنسبة الى متطلبات الأمن الغذائي والغاء التعرفة الجمركية وتوحيد قوانين العمل والهجرة لتكريس أنماط تكامل البنيات الاقتصادية. ليس كافياً الاقرار بأن الخلافات السياسية حالت دون انجاز مهمات الاتحاد المغاربي، فالنموذج الذي يمثله انجاز خط تمرير الغاز الطبيعي الجزائري نحو اسبانيا عبر الأراضي المغربية، على رغم احتدام خلافات البلدين يظل عنواناً لامكان ابعاد الضرورات الاقتصادية عن الخلافات السياسية. كذلك فإن الحوار الانفرادي الذي تقوده كل عاصمة مغاربية مع نظيراتها في البلدان الأوروبية يصح اعتباره مدخلاً للنزوع الى معاودة تنسيق المواقف، فالأوروبيون لا يرون في منطقة الشمال الافريقي كياناً متعدد الأطراف، ولكنهم تحت شعار الحد من مخاطر الجنوب يضعون الخطط التي تطاول مختلف الأقطار، ولا أقل من أن يفيد ذلك في جعل التفكير المغاربي، موحداً، ولو ازاء قضية واحدة لا يكون حولها أي خلاف.